البحث الثاني : قال المحققون : قرب الموت لا يمنع من قبول التوبة، بل المانع من قبول التوبة مشاهدة الأحوال التي عندها يحصل العلم بالله تعالى على سبيل الاضطرار، وإنما قلنا إن نفس القرب من الموت لا يمنع من قبول التوبة لوجوه :
الأول : أن جماعة أماتهم الله تعالى ثم أحياهم مثل قوم من بنى إسرائيل، ومثل أولاد أيوب عليه السلام، ثم إنه تعالى كلفهم بعد ذلك الاحياء، فدل هذا على أن مشاهدة الموت لا تخل بالتكليف.
الثاني : أن الشدائد التي يلقاها من يقرب موته تكون مثل الشدائد الحاصلة عند القولنج، ومثل الشدائد التي تلقاها المرأة عند الطلق أو أزيد منها، فإذا لم تكن هذه الشدائد مانعة من بقاء التكليف فكذا القول في تلك الشدائد.
الثالث : أن عند القرب من الموت إذا عظمت الآلام صار اضطرار العبد أشد وهو تعالى يقول :﴿أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ﴾ [ النمل : ٦٢ ] فتزايد الآلام في ذلك الوقت بأن يكون سببا لقبول التوبة أولى من أين يكون سبباً لعدم قبول التوبة، فثبت بهذه الوجوه أن نفس القرب من الموت ونفس تزايد الآلام والمشاق، لا يجوز أن يكون مانعاً من قبول التوبة، ونقول : المانع من قبول التوبة أن الإنسان عند القرب من الموت إذا شاهد أحوالا وأهوالا صارت معرفته بالله ضرورية عند مشاهدته تلك الأهوال، ومتى صارت معرفته بالله ضرورية سقط التكليف عنه، ألا ترى أن أهل الآخرة لما صارت معارفهم ضرورية سقط التكليف عنهم وإن لم يكن هناك موت ولا عقاب، لأن توبتهم عند الحشر والحساب وقبل دخول النار، لا تكون مقبولة.