نعم ما في حيز العلاوة مما لا بأس به، وما ذكر من أن التغليب خلاف الأصل مسلم لكنه في القرآن العظيم أكثر من أن يحصى، واعتباره في منكم تبع لاعتباره في اللذان وذكر مثله قبل بلا تغليب فيه ربما يؤيد اعتبار التغليب فيه ليغاير الأول فيكون لذكره بعده أتم فائدة ألا ترى كيف أسقط من الآية الثانية الاستشهاد مع اشتراطه إجماعاً اكتفاءاً بما ذكر في الآية الأولى لاتحاد الاستشهادين في المسألتين، ودعوى لزوم التكرار في الموضع الواحد على رأي الجمهور ليست في محلها على ما أشرنا إليه في تفسير الآية، ودعوى الاحتياج إلى التزام القول بالنسخ لا تضر لأن النسخ أمر مألوف في كثير من الأحكام، وقد نص عليه هنا جماعة من الصحابة والتابعين على أن في كون فرضية الحدّ نسخاً في الآية الأولى مقالاً يعلم مما قدمناه في البقرة، وإذا جعل ﴿ أَوْ يَجْعَلَ ﴾ [ النساء : ١٥ ] الخ معتبراً في الآية الثانية إلا أنه حذف منها اكتفاءاً بما في الأولى كما يشير إلى ذلك خبر عبادة بن الصامت جرى المقال في الآيتين ولزوم خلو الكتاب عن بيان حكم السحاق واللواطة على رأي الجمهور دون رأيه في حيز المنع أما على تقدير تسمية السحاق واللواطة زنا فظاهر، وأما على تقدير عدم التسمية فلأن ذكر ما يمكن قياسهما عليه في حكم البيان لحكمهما، وكم حكم ترك التصريح فيه في الكتاب اعتماداً على القياس كحكم النبيذ، وكحكم الجد وغيرهما اعتماداً على بيان ما يمكن القياس عليه وذلك لا ينافي كونه تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء وأنه ما فرط فيه من شيء، ومن ادعى أن جميع الأحكام الدينية مذكورة في القرآن صريحاً من غير اعتبار قياس، فقد ارتكب شططاً وقال غلطاً، وبالجملة المعول عليه ما ذهب إليه الجمهور، ويد الله تعالى مع الجماعة، ومذهب أبي مسلم وإن لم يكن من الفساد بمحل إلا أنه
لم يعوّل عليه ولم تحط رحال القبول لديه، وهذا ما عندي في تحقيق المقام وبالله سبحانه الاعتصام. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ٢٣٦ ـ ٢٣٨﴾