وروى سعيد عن قتادة عن عِكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ﴾ قال : هي مبهمة لا تحِل بالعقد على الابنة ؛ وكذلك روى مالك في موطئِه عن زيد بن ثابت، وفيه : فقال زيد لا، الأُم مبهمة ( ليس فيها شرط ) وإنما الشرط في الربائب.
قال ابن المنذر : وهذا هو الصحيح ؛ لدخول جميع أُمهات النساء في قوله تعالى :﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ﴾.
ويؤيد هذا القول من جهة الإعراب أن الخبرين إذا اختلفا في العامل لم يكن نعتهما واحداً ؛ فلا يجوز عند النحويين مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون "الظريفات" نعتاً لنسائك ونساء زيد ؛ فكذلك الآية لا يجوز أن يكون ﴿ اللاَّتِي ﴾ من نعتهما جميعاً ؛ لأن الخبرين مختلفان، ولكنه يجوز على معنى أعني.
وأنشد الخليل وسيبويه :
إنّ بِها أكْتَلَ أو رِزامَا...
خُوَيْرَبَيْنِ يَنْقُفَانِ الْهَامَا
خُوَيْرَبَيْن يعني لِصَّين، بمعنى أعني.
وينقفان : يكسِران ؛ نقفت رأسه كسرته.
وقد جاء صريحاً من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النبيّ ﷺ :" إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوّج أُمّها دخل بالبنت أو لم يدخل وإذا تزوّج الأُم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوّج البنت " أخرجه في الصحيحين.
وإذا تقرّر هذا وثبت فاعلم أن التحريم ليس صفة للأعيان، والأعيان ليست مورداً للتحليل والتحريم ولا مصدراً، وإنما يتعلق التكليف بالأمر والنهي بأفعال المكلَّفين من حركة وسكون ؛ لكن الأعيان لما كانت مورداً للأفعال أضيف الأمر والنهي والحكم إليها وعُلِّق بها مجازاً على معنى الكناية بالمحل عن الفعل الذي يحِلّ به. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ١٠٥ ـ ١٠٧﴾. بتصرف يسير.