الوجه الثالث : في الاستدلال، وهو قول من يقول : اللفظ المشترك لا يجوز استعماله في مفهوميه معا، قالوا : ثبت بالدلائل المذكورة أن لفظ النكاح قد استعمل في القرآن في الوطء تارة وفي العقد أخرى، والقول بالاشتراك والمجاز خلاف الأصل، ولا بد من جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو معنى الضم حتى يندفع الاشتراك والمجاز، وإذا كان كذلك كان قوله :﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ﴾ نهيا عن القدر المشترك بين هذين القسمين، والنهي عن القدر المشترك بين القسمين يكون نهيا عن كل واحد من القسمين لا محالة، فإن النهي عن التزويج يكون نهيا عن العقد وعن الوطء معا، فهذا أقصى ما يمكن أن يقال في تقرير هذا الاستدلال.
والجواب عنه من وجوه :
الأول : لا نسلم أن اسم النكاح يقع على الوطء، والوجوه التي احتجوا بها على ذلك فهي معارضة بوجوه : أحدها : قوله عليه الصلاة والسلام :"النكاح سنتي" ولا شك أن الوطء من حيث كونه وطأ ليس سنة له، وإلا لزم أن يكون الوطء بالسفاح سنة له فلما ثبت أن النكاح سنة، وثبت أن الوطء ليس سنة، ثبت أن النكاح ليس عبارة عن الوطء، كذلك التمسك بقوله :" تناكحوا تكثروا " ولو كان الوطء مسمى بالنكاح لكان هذا إذنا في مطلق الوطء وكذلك التمسك بقوله تعالى :﴿وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ﴾ [ النور : ٣٢ ] وقوله :﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء﴾ [ النساء : ٣ ].
لا يقال : لما وقع التعارض بين هذه الدلائل فالترجيح معنا، وذلك لأنا لو قلنا : الوطء مسمى بالنكاح على سبيل الحقيقة لزم دخول المجاز في دلائلنا، ومتى وقع التعارض بين المجاز والتخصيص كان التزام التخصيص أولى.


الصفحة التالية
Icon