فكما يحتمل أن يقال : النكاح اسم للوطء ثم أطلق هذا الاسم على العقد لكونه سببا للوطء، فكذلك يحتمل أن يقال : النكاح اسم للعقد، ثم أطلق هذا الاسم على الوطء لكون الوطء مسبباً له، فلم كان أحدهما أولى من الآخر ؟ بل الاحتمال الذي ذكرناه أولى، لأن استلزام السبب للمسبب أتم من استلزام المسبب للسبب المعين، فإنه لا يمتنع أن يكون لحصول الحقيقة الواحدة أسباب كثيرة، كالملك فإنه يحصل بالبيع والهبة والوصية والارث، ولا شك أن الملازمة شرط لجواز المجاز، فثبت أن القول بأن اسم النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء، أولى من عكسه.
الوجه الثاني : أن النكاح لو كان حقيقة في الوطء مجازا في العقد، وقد ثبت في أصول الفقه أنه لا يجوز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه معا، فحينئذ يلزم أن لا تكون الآية دالة على حكم العقد، وهذا وإن كان قد التزمه الكرخي لكنه مدفوع بالدليل القاطع، وذلك لأن المفسرين أجمعوا على أن سبب نزول هذه الآية هو أنهم كانوا يتزوجون بأزواج آبائهم، وأجمع المسلمون على أن سبب نزول الآية لا بد وأن يكون داخلا تحت الآية، بل اختلفوا في أن غيره هل يدخل تحت الآية أم لا ؟ وأما كون سبب النزول داخلا فيها فذاك مجمع عليه بين الأمة، فإذا ثبت باجماع المفسرين، أن سبب نزول هذه الآية هو العقد لا الوطء، وثبت باجماع المسلمين أن سبب النزول لا بد وأن يكون مراداً، ثبت بالاجماع أن النهي عن العقد مراد من هذه الآية، فكان قول الكرخي واقعا على مضادة هذا الدليل القاطع، فكان فاسداً مردودا قطعا.
أما الوجه الثاني : مما ذكروه وهو أنا نحمل لفظ النكاح على مفهوميه، فنقول : هذا أيضا باطل، وقد بينا وجه بطلانه في أصول الفقه.