الوجه الثالث : في الجواب عن هذا الاستدلال : سلمنا أن المراد من قوله :﴿مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ﴾ المنكوحة، والتقدير : ولا تنكحوا من نكح آباؤكم ولكن قوله : من نكح آباؤكم ليس صريحا في العموم بدليل أنه يصح إدخال لفظي الكل والبعض عليه، فيقال : ولا تنكحوا كل ما نكح آباؤكم ولا تنكحوا بعض من نكح آباؤكم، ولو كان هذا صريحا في العموم لكان إدخال لفظ الكل عليه تكريراً، وإدخال لفظ البعض عليه نقصا، ومعلوم أنه ليس كذلك، فثبت أن قوله :﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ﴾ لا يفيد العموم، وإذا لم يفد العموم لم يتناول محل النزاع.
لا يقال : لو لم يفد العموم لم يكن صرفه إلى بعض الأقسام أولى من صرفه إلى الباقي، فحينئذ يصير مجملا غير مفيد، والأصل أن لا يكون كذلك.
لأنا نقول : لا نسلم أن بتقدير أن لا يفيد العموم لم يكن صرفه إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره، وذلك لأن المفسرين أجمعوا على أن سبب نزوله إنما هو التزوج بزوجات الآباء، فكان صرفه إلى هذا القسم أولى، وبهذا التقدير لا يلزم كون الآية مجملة، ولا يلزم كونها متناولة لمحل النزاع.
الوجه الرابع : سلمنا أن هذا النهي يتناول محل النزاع، لكن لم قلتم : إنه يفيد التحريم ؟ أليس أن كثيرا من أقسام النهي لا يفيد التحريم، بل يفيد التنزيه، فلم قلتم : إنه ليس الأمر كذلك ؟ أقصى ما في الباب أن يقال : هذا على خلاف الأصل، ولكن يجب المصير إليه إذا دل الدليل، وسنذكر دلائل صحة هذا النكاح إن شاء الله تعالى.
الوجه الخامس : أن ما ذكرتم هب أنه يدل على فساد هذا النكاح، إلا أن ههنا ما يدل على صحة هذا النكاح وهو من وجوه :