وكذلك نستدل بجميع العمومات الواردة في باب النكاح كقوله تعالى :﴿وَأَنْكِحُواْ الأيامى﴾ [ النور : ٣٢ ] وقوله :﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء﴾ [ النساء : ٣ ] وأيضا نتمسك بقوله تعالى :﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ﴾ [ النساء : ٢٤ ] وليس لأحد أن يقول : إن قوله :﴿مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ﴾ ضمير عائد إلى المذكور السابق، ومن جملة المذكور السابق قوله :﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ﴾ وذلك لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات، وأقرب المذكورات إليه هو من قوله :﴿حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم﴾ [ النساء : ٢٣ ] فكان قوله :﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ﴾ عائدا إليه، ولا يدخل فيه قوله :﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ﴾ وأيضاً نتمسك بعمومات الأحاديث كقوله عليه الصلاة والسلام :" إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه " وقوله :" زوجوا بناتكم الاكفاء " فكل هذه العمومات يتناول : محل النزاع.
واعلم أنا بينا في أصول الفقه أن الترجيح بكثرة الأدلة جائز، وإذا كان كذلك فنقول بتقدير أن يثبت لهم أن النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد، فلو حملنا الآية على العقد لم يلزمنا إلا مجاز واحد، وبتقدير أن نحمل تلك الآية على حرمة النكاح يلزمنا هذه التخصيصات الكثيرة فكان الترجيح من جانبنا بسبب كثرة الدلائل.
الحجة الثالثة : الحديث المشهور في المسألة وهو قوله عليه الصلاة والسلام :" الحرام لا يحرم الحلال " أقصى ما في الباب أن يقال : إن قطرة من الخمر إذا وقعت في كوز من الماء فههنا الحرام حرم الحلال، وإذا اختلطت المنكوحة بالاجنبيات واشتبهت بهن، فههنا الحرام حرم الحلال، إلا أنا نقول : دخول التخصيص فيه في بعض الصور، ولا يمنع من الاستدلال به.


الصفحة التالية
Icon