ولما كان الكلام في المنع لمن يصرح بالفاعل بل قال ؛ " حرمت " - ترفقاً في الخطاب حثاً على الآداب، فلما وصل الأمر إلى الحل أظهره تطييباً للقلوب وتأنيساً للنفوس في قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر بفتح الهمزة والحاء، وأبهمه في قراءة الباقين على نسق ﴿حرمت﴾ لأن فاعل الحل والحرمة عند أهل هذا الكتاب معروف أنه الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه أصلاً، ثم أتبع التحليل علته فقال :﴿أن﴾ أي إرادة أن ﴿تبتغوا﴾ أي تطلبوا متبعين من شئتم مما أحل لكم ﴿بأموالكم﴾ اللاتي تدفعونها مهوراً حال كونكم ﴿محصنين﴾ أي قاصدين بذلك العفة لأنفسكم ولهن ﴿غير مسافحين﴾ أي قاصدين قضاء الشهوة وصب الماء الدافق لذلك فقط، وهو على هذا الوجه لا يكون إلا زنًى سراً وجهراً، فيكون فيه حينئذ إضاعة المال وإهلاك الدين، ولا مفسدة أعظم مما يجمع هذين الخسرانين.
ولما تقدم أول السورة وأثناءهها الأمر بدفع الصداق والنهي عن أخذ شيء مما دفع إلى المرأة، وكان ذلك أعم من أن يكون بعد الدخول أو قبله، مسمى أو لا قال هنا مسبباً عن الابتغاء المذكور :﴿فما استمتعتم﴾ أي أوجدتم المتاع وهو الانتفاع ﴿به منهن﴾ بالبناء بها، متطلبين لذلك من وجوهه الصحيحة راغبين فيه ﴿فآتوهن أجورهن﴾ أي عليه كاملة، وهي المهور ﴿فريضة﴾ أي حال كونها واجبة من الله ومسماة مقدرة قدرتموها على أنفسكم، ويجوز كونه تأكيداً لآتوا بمصدر من معناه ﴿ولا جناح﴾ أي حرج وميل ﴿عليكم فيما تراضيتم به﴾ أي أنتم والأزواج ﴿من بعد الفريضة﴾ أي من طلاق أو فراق أو زيادة أو نقص إن كانت موجودة مقدرة، أو من مهر المثل من بعد تقديره إن لم تكن مسماة فيمن عقد عليها من غير تسمية صداق.