وقال العلامة أبو السعود :
﴿ والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ جملةٌ مبتدأةٌ مَسوقةٌ لبيان كمالِ منفعةِ ما أراده الله تعالى وكمالِ مضرّةِ ما يريد الفَجَرةُ لا لبيان إرادتِه تعالى لتوبته عليهم حتى يكونَ من باب التكريرِ للتقرير، ولذلك غُيّر الأسلوبُ إلى الجملة الاسميةِ دلالةً على دوام الإرادةِ ولم يُفعلْ ذلك في قوله تعالى :﴿ وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات ﴾ للإشارة إلى الحدوثِ وللإيماء إلى كمالِ المباينةِ بين مضموني الجملتين كما مر في قوله تعالى :﴿ الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ ﴾ الآية، والمراد بمتّبعي الشهواتِ الفَجَرةُ فإن اتّباعَها الائتمارُ بها، وأما المتعاطي لما سوّغه الشرعُ من المشتهَيات دون غيرِه فهو متّبعٌ له لا لها، وقيل : هم اليهودُ والنصارى، وقيل : هم المجوسُ حيث كانوا يُحِلون الأخواتِ من الأب وبناتِ الأخِ وبناتِ الأختِ فلما حرَّمهن الله تعالى قالوا : فإنكم تُحِلون بنتَ الخالةِ مع أن العمةَ والخالةَ عليكم حرامٌ فانكِحوا بناتِ الأخِ والأختِ فنزلت ﴿ أَن تَمِيلُواْ ﴾ عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهواتِ واستحلالِ المحرماتِ وتكونوا زناةً مثلَهم، وقرىء بالياء التحتانية والضميرُ للذين يتبعون الشهواتِ ﴿ مَيْلاً عَظِيماً ﴾ أي بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئةً على نُدرة بلا استحلالٍ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٢ صـ ١٦٩﴾
فائدة
قال أبو حيان :
وأكد فعل الميل بالمصدر على سبيل المبالغة، لم يكتف حتى وصفه بالعظم.
وذلك أن الميول قد تختلف، فقد يترك الإنسان فعل الخير لعارض شغل أو لكسل أو لفسق يستلذ به، أو لضلالة بأن يسبق له سوء اعتقاد.
ويتفاوت رتب معالجة هذه الأشياء، فبعضها أسهل من بعض، فوصف مثل هؤلاء بالعظم، إذ هو أبعد الميول معالجة وهو الكفر.