ومن فوائد الشيخ الشعراوى فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً ﴾
سبحانه قال في الآية السابقة :﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾، وبعد ذلك يقول :﴿ وَيَهْدِيَكُمْ ﴾، وبعد ذلك :﴿ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾، وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها :﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾، فلماذا جاء أولا بـ ﴿ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ وجاء هنا ثانيا بـ ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ ؟
نقول : التوبة لا بد أن تكون مشروعة أولا من الله، وإلا فهل لك أن تتوب إلى الله من الذنب لو لم يشرع الله لك التوبة ؟ أتصحُّ هذه التوبة ؟ إنه سبحانه إذن يشرع التوبة أولا، وبعد ذلك أنت تتوب على ضوء ما شرع، ويقبل هو التوبة، وبذلك نكون أمام ثلاث مراحل : أولا مشروعية التوبة من الله رحمة منه بنا، ثم توبة العبد، وبعد ذلك قبول الله التوبة ممن تاب رحمة منه - سبحانه - إذن فتوبة العبد بين توبتين من الرب : توبة تشريع، وتوبة قبول.
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾، ما دام سبحانه قد شرع التوبة أيشرعها ولا يقبلها ؟! لا، فما دام قد شرع وعلمني أن أتوب فمعنى ذلك أنه فتح لي باب التوبة، وَفْتَحُ باب التوبة من رحمة العليم الحكيم بخلقه ؛ لأن الحق حينما خلق الإنسان زوده دون سائر الأجناس بطاقة من الاختيارات الفاعلة، أي أن الإنسان يستطيع أن يفعل هذه أو يفعل تلك، وجعل أجهزته تصلح للأمر وللنهي، فالعين صالحة أن ترى آية في كون الله تعتبر بها، والعين - أيضا - صالحة أن تمتد إلى المحارم. واللسان صالح أن تسب به، وصالح أن تذكر الله به قائلا : لا إله إلا الله وسائر أنواع الذكر. واليد عضلاته صالحة أن ترفعها وتضرب بها، وصالحة لأن تقيل وترفع بها عاثرا واقعاً في الطريق.