وهذا هو الذي ذكره من أنّ خلق يتعدى إلى اثنين بجعلها بمعنى جعل، لا أعلم أحداً من النحويين ذهب إلى ذلك، بل الذي ذكر الناس أنّ من أقسام جعل أن يكون بمعنى خلق، فيتعدّى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى :﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾ أما العكس فلم يذهب إلى ذلك أحد فيما علمناه، والمتأخرون الذين تتبعوا هذه الأفعال لم يذكروا ذلك. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٢٣٧ ـ ٢٣٨﴾
وقال فى روح البيان :
قوله تعالى ﴿ وخلق الإنسان ضعيفا ﴾ إشارة إلى أن الإنسان لا يصبر عن الله لحظة لضعفه مهما يكون على الفطرة الإنسانية فطرة الله التى فطر الناس عليها فإنه يحبهم ويحبونه وهو ممدوح بهذا الضعف فإن من عداه يصبرون عن الله لعدم اضطرارهم فى المحبة والإنسان مخصوص بالمحبة
واعلم أن هذا الضعف سبب لكمال الإنسان وسعادته وسبب لنقصانه وشقاوته لأنه يتغير لضعفه من حال إلى حال ومن صفة إلى أخرى فيكون ساعة بصفة بهيمة يأكل ويشرب ويجامع ويكون ساعة أخرى بصفة ملك يسبح بحمد ربه ويقدس له ويفعل ما يؤمر ولا يعصى فيما نهاه عنه وهذه التغيرات من نتائج ضعفه وليس هذا الاستعداد لغيره حتى الملك لا يقدر أن يتصف بصفات البهيمة والبهيمة لا تقدر أن تتصف بصفة الملك لعدم ضعف الإنسانية وإنما خص الإنسان بهذا الضعف لاستكماله بالتخلق بأخلاق الله. أ هـ ﴿روح البيان حـ ٢ صـ ٢٣٧﴾
فائدة
قال ابن القيم :
قال الله تعالى تعالى عقيب ذكره ما أحل لعباده من الزوجات والإماء وما حرم عليهم ﴿يريد الله ليبين لكم ويهدكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا﴾
أي لا يصبر عن النساء كما ذكر الثوري عن ابن طاوس عن أبيه وخلق الإنسان ضعيفا قال إذا نظر إلى النساء لم يصبر وكذلك قال غير واحد من السلف ولما كانت الشهوة في هذا الباب غالبة لا بد أن توجب ما يوجب التوبة كرر سبحانه وتعالى ذكر التوبة مرتين فأخبر أن متبعي الشهوات يريدون من عباده أن يميلوا ميلا عظيما وأخبر سبحانه وتعالى أنه يريد التخفيف عنا لضعفنا فأباح لنا أن ننكح ما طاب لنا من أطايب النساء أربعا وأن نتسرى من الإماء بما شئنا
ولما كان العبد له في هذا الباب ثلاثة أحوال حالة جهل بما يحل له ويحرم عليه وحالة تقصير وتفريط وحالة ضعف وقلة صبر قابل سبحانه جهل عبده بالبيان والهدى وتقصيره وتفريطه بالتوبة وضعفه وقلة صبره بالتخفيف. أ هـ ﴿روضة المحبين صـ ٢٠٣﴾
" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله تعالى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾
في هذه الجملة احتمالان :
أصحُّهما : أنَّها حال من قوله ﴿ والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ العامل فيها يريد أي : واللهُ يريد أن يتوبَ عليكم يريد أن يخفف عنكم، وفي هذا الإعراب نَظَرٌ من وجهين :


الصفحة التالية
Icon