ومن فوائد صاحب المنار فى الآيات السابقة
قال رحمه الله :
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾
فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بَيَانُ بَقِيَّةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ وَحَلِّ مَا عَدَاهُ، وَحُكْمُ نِكَاحِ الْإِمَاءِ، وَمَا فَصَلْنَاهُمَا عَمَّا قَبْلَهُمَا إِلَّا لِأَنَّ مَنْ قَسَّمُوا الْقُرْآنَ إِلَى ثَلَاثِينَ جُزْءًا جَعَلُوهُمَا فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْخَامِسِ، وَقَدْ رَاعَوْا فِي هَذَا التَّقْسِيمِ مِنَ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، وَكَانَ الْمُنَاسِبَ لِلْمَعْنَى
أَنْ يَجْعَلُوا أَوَّلَ الْجُزْءِ الْخَامِسِ قَوْلَهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (٤ : ٢٩)، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، أَيْ : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، وَالْمُحْصَنَاتُ : جَمْعُ مُحْصَنَةٍ بِفَتْحِ الصَّادِ، اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَحْصَنَ عِنْدَ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ، وَرُوِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ كَسْرُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَطْ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ الْفَتْحُ عَنْهُ، وَالْإِحْصَانُ مِنَ الْحِصْنِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمَنِيعُ الْمَحْمِيُّ، فَفِيهِ مَعْنَى الْمَنْعِ الشَّدِيدِ، وَيُقَالُ : حَصُنَتِ الْمَرْأَةُ ـ بِضَمِّ الصَّادِ ـ حِصْنًا وَحَصَانَةً، أَيْ : عَفَّتْ فَهِيَ حَاصِنٌ وَحَاصِنَةٌ وَحَصَانٌ وَحَصْنَاءُ ـ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ـ قَالَ الشَّاعِرُ :

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ


الصفحة التالية
Icon