وهذه الآية أصل عظيم في حرمة الأموال، وقد قال رسول الله ﷺ " لا يحلّ مالُ امرىء مسلم إلاّ عن طيب نَفس ".
وفي خطبة حجّة الوداع " إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام ".
وتقديم النهي عن أكل الأموال على النهي عن قتل الأنفس، مع أنّ الثاني أخطر، إمّا لأنّ مناسبة ما قبله أفْضت إلى النهي عن أكل الأموال فاستحقّ التقديم لذلك، وإمّا لأنّ المخاطبين كانوا قريبي عهد بالجاهلية، وكان أكل الأموال أسهل عليهم، وهم أشدّ استخفافاً به منهم بقتللِ الأنفس، لأنّه كان يقع في مواقع الضعف حيث لا يَدفع صاحبه عن نفسه كاليتيم والمرأةِ والزوجة.
فآكِل أموال هؤلاء في مأمَن من التبِعات بخلاف قتل النفس، فإنّ تبعاته لا يسلم منها أحد، وإن بلغ من الشجاعة والعزّة في قومه كلّ مبلغ، ولا أمنع من كُلَيْب وائل، لأنّ القبائل ما كانت تهدر دماء قتلاها.
قوله :﴿ ولا تقتلوا أنفسكم ﴾ نهي عن أن يقتل الرجل غيرَه، فالضميراننِ فيه على التوزيع، إذ قد عُلم أنّ أحداً لا يقتل نفسَه فيُنهى عن ذلك، وقَتْل الرجل نفسه داخل في النهي، لأنّ الله لم يبح للإنسان إتلاف نفسه كما أباح له صرف ماله، أمّا أن يكون المراد هنا خصوص النهي عن قتل المرء نفسَه فلا.
وأمّا ما في "مسند أبي داود" : أنّ عَمرو بن العاص رضي الله عنه تيمّم في يوم شديد البَرْد ولم يغتسل، وذلك في غزوة ذات السلاسل وصلّى بالناس، وبلَغ ذلك رسولَ الله، فسأله وقال : يا رسول الله إنّ الله يقولُ :﴿ ولا تقتلوا أنفسكم ﴾، فلم ينكر عليه النبي ﷺ فذلك من الاحتجاج بعموم ضمير ( تقتلوا ) دون خصوص السبب.
وقوله :﴿ ومن يفعل ذلك ﴾ أي المذكورَ : من أكل المال بالباطل والقتل.


الصفحة التالية
Icon