وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَبَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْبِيَاعَاتِ الْمَجْهُولَةِ وَالْمَعْقُودَةِ عَلَى غَرَرٍ، جَمِيعُ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ مِنْ ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾.
وَقَدْ قُرِئَ قَوْلُهُ :﴿ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ ﴾ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ، فَمَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ كَانَ تَقْدِيرُهُ : إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ، فَتَكُونُ التِّجَارَةُ الْوَاقِعَةُ عَنْ تَرَاضٍ مُسْتَثْنَاةً مِنْ النَّهْي عَنْ أَكْلِ الْمَالِ ؛ إذْ كَانَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ التِّجَارَةِ وَمِنْ غَيْرِ جِهَةِ التِّجَارَةِ، فَاسْتَثْنَى التِّجَارَةَ مِنْ الْجُمْلَةِ وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ كَانَ تَقْدِيرُهُ : إلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ، كَقَوْلِ الشَّاعِر : فِدَى لِبَنِي شَيْبَانَ رَحْلِي وَنَاقَتِي إذَا كَانَ يَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ أَشْهَبُ يَعْنِي : إذَا حَدَثَ يَوْمٌ كَذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ عَلَى إطْلَاقِهِ لَمْ يُسْتَثْنَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَانَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا بِمَنْزِلَةِ : لَكِنْ إنْ وَقَعَتْ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ فَهُوَ مُبَاحٌ.