وإذا لفتَّ إنسانا ونبهته وأمرته بأمر تكليفي مثل صَلَّ، أو امتنع عن فعل المنكر فقال لك :﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ هنا يجب أن تقول له : أنت لم تفهم معنى قول الحق :﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ فأصل التدين والإيمان بالله ألاّ يكرهك أحد عليه، بل ادخل إلى الإيمان بالله باختيارك، لكن إذا دخلت إلى الإيمان بالله فالتزم بالسماع من الله في " افعل " و " لا تفعل " فحين يقول الحق :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ فهو يعطينا حيثيات التكليف، أي علة الحكم. فعلّة الحكم أنك آمنت بالله آلهاً حكيماً قادراً. وما دمت آمنت بالله إلهاً حكيماً قادراً فسلم زمام الأوامر والنواهي له سبحانه، فإن وقفت في أمر بشيء أو نهى عن شيء فراجع إيمانك بالله.
إذن فقوله :﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ أي أنك حر على أن تدخل في الإيمان بالله أو لا تدخل، لكن إذا ما دخلت فإياك أن تكسر حكماً من أحكام الله الذي آمنت به، وإن كسرت حكماً من أحكام الله تدخل معنا في إشكال ارتكاب السيئات أو الذنوب.
والأحكام التي سبقت للذين آمنوا هي أحكام تعلقت بالأعراض وبإنشاء الأسرة على نظام طاهر نقي كي يأتي التكاثر تكاثراً نقياً طاهراً، وتكلمت الآيات عن المحرمات من النساء وكذلك المحللات ؛ وها هو ذا سبحانه يتكلم عن المال، وهو الذي يقيم الحياة، والمال كما نعرف ثمرة الجهد والمشقة، وكل ما يتمول يعتبر مالاً، إلا أن المال ينقسم قسمين : مال يمكن أن تنتفع به مباشرة، فهناك من يملك الطعام، وآخر يملك الشراب، وثالث يملك أثوابا، وهذا نوع من المال ينتفع به مباشرة، وهناك نوع آخر من المال، وهو " النقد " ولا ينتفع به مباشرة، بل يُنتفع به بإيجاد ما ينتفع به مباشرة.