مثال ذلك : عندما نقول لجماعة : اركبوا سياراتكم أي : ليركب كل واحد منكم سيارته، والمدرس يدخل الفصل ويقول للتلاميذ : أخرجوا كتبكم. أي أن كل تلميذ عليه أن يخرج كتابه. فمقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً، وقول الحق :﴿ لاَ تَأْكُلُوا ﴾ فهذا أمر لجمع. و " أموالكم " أيضاً جمع، فيكون معناه : لا يأكل كل واحد ماله، وكيف لا يأكل كل واحد منكم ماله ؟ - يوضح الحق :" بالباطل ". فيكون مطلوبا من كل واحد منكم ألا يأكل ماله بالباطل. والإنسان يأكل الشيء لينتفع به. والحق يوصيك ويأمرك : إياك أن تصرف قرشاً من مالك وتضيعه إلا في حق، هذا إذا كنا سنقابل المفرد، فلا يأكل واحد منكم ماله بالباطل، بل يوجهه إلى الأمر النافع، الذي ليس فيه حرمة، والذي لا يأتي بعذاب في الآخرة.
وإذا كان المراد أن لا أحد يأكل مال الآخر، فسنوضحه بالمثل الآتي : لنفترض أن تلميذا قال لمدرسه : يا أستاذ قلمي كان هنا وضاع. فيقول الأستاذ للتلاميذ : لا تسرقوا أقلامكم، فهل معني ذلك أن الأستاذ يقول : لا يسرق كل واحد قلمه أو لا يسرق كل واحد قلم أخيه، إذن فيكون المعنى الثاني :﴿ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾، أي لا يأكل كل واحد منك مال أخيه بالباطل.
وكيف يقول :" أموالكم " ؟ وما دام ما لهم فليس عليهم حرج ؟ لا ؛ لأن معناها المقصود : لا يأكل كل واحد منكم مال أخيه. ولماذا لم يقل ذلك وقال :" أموالكم " ؟ لأن عادة الأوامر من الحق ليست موجهة إلى طائفة خُلِقت على أن تكون آكلة، وطائفة خُلِقت على أن تكون مأكولة، بل كل واحد عرضة في مرة أن يكون آكلاً لمال غيره ؛ ومرة أخرى يكون ماله مأكولاً. فأنا إذا أكلت مال غيري فسوف يأكل غيري مالي. فأكون قد عملت له أسوة ويأكل مالي أيضاً، فكأنه سبحانه عندما يقول لك : لا تأكل مالك إنما ليحمي لك مالك.
إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يصنع من المجتمع الإيماني مجتمعاً واحداً.