وحينما جاء موقف الابتلاء بالذبح، اختفت هاجر من المسرح، وجاء دور سيدنا إبراهيم بحزمه وعزمه ونبوته. ورأي في الرؤيا أنه يذبح ابنه، أين أمه في هذا ؟ اختفت من المسرح ؛ لأن هذا موقف لا يتفق مع عواطفها وحنانها. إذن فكل واحد منهما له مهمة. والنجاح يكون على قدر هذه المهمة. ولذلك يقول الحق :﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ فساعة ترى جنساً أخذ شيئاً وجنساً آخر أخذ شيئاً، إياك تشغل بالك وتتمنى وتقول :" أريد هذه "، ولكن اسأل الله من فضله ؛ لأن كلمة " ولا تتمنوا " هي نهي عن أن تتمنى ما فضل الله به بعضا على بعض، ولذلك يقول :﴿ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ﴾. وما دمت تسأل الله من فضله ؛ فهنا أمل أن يعطيك.
وقد يرى البعض هنا مشكلة فيتساءل : كيف ينهانا الله عن أن نتمنى ما فضل الله به بعضنا على بعض فقال :﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ مع أن فضل الله من شأنه أن يفضل بعضنا على بعض بدليل قوله :﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ فضلاً على أنني أطمع في أن أسأل الله ليعطيني ؛ لأنه - سبحانه - ما أمرنا بالسؤال إلاّ ليعطينا.
ونقول : لا، التمني عادة أن تطلب شيئاً يستحيل أو لم تجر به العادة، إنما السؤال والدعاء هو مجال أن تأتي إلى شيء تستطيع الحصول عليه، فأوضح : لا تذهب إلى منطقة التمني، ولذلك ضربوا المثل للتمني ببيت الشاعر :
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب