والجواب من وجهين : الأول : كما أنه تعالى أجل الموجودات وأشرفها، فكذلك هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأغنى الأغنياء عن طاعات المطيعين وعن ذنوب المذنبين، وكل ذلك يوجب خفة الذنب.
الثاني : هب أن الذنوب كلها كبيرة من حيث أنها ذنوب، ولكن بعضها أكبر من بعض، وذلك يوجب التفاوت.
إذا ثبت أن الذنوب على قسمين بعضها صغائر وبعضها كبائر، فالقائلون بذلك فريقان : منهم من قال : الكبيرة تتميز عن الصغيرة في نفسها وذاتها، ومنهم من قال : هذا الامتياز إنما يحصل لا في ذواتها، بل بحسب حال فاعليها، ونحن نشرح كل واحد من هذين القولين.
أما القول الأول : فالذاهبون إليه والقائلون به اختلفوا اختلافا شديداً، ونحن نشير إلى بعضها، فالأول : قال ابن عباس : كل ما جاء في القرآن مقرونا بذكر الوعيد فهو كبيرة، نحو قتل النفس المحرمة وقذف المحصنة والزنا والربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف.
الثاني : قال ابن مسعود : افتتحوا سورة النساء، فكل شيء نهى الله عنه حتى ثلاث وثلاثين آية فهو كبيرة، ثم قال : مصداق ذلك :﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ﴾ [ النساء : ٣١ ]
الثالث : قال قوم : كل عمد فهو كبيرة.
واعلم أن هذه الأقوال ضعيفة.
أما الأول : فلأن كل ذنب لا بد وأن يكون متعلق الذم في العاجل والعقاب في الآجل، فالقول بأن كل ما جاء في القرآن مقرونا بالوعيد فهو كبيرة يقتضي أن يكون كل ذنب كبيرة وقد أبطلناه.
وأما الثاني : فهو أيضا ضعيف، لأن الله تعالى ذكر كثيراً من الكبائر في سائر السور، ولا معنى لتخصيصها بهذه السورة.


الصفحة التالية
Icon