وعورض بأنه أرحم الراحمين وأغنى عن طاعات المطيعين، وكل ذلك يوجب خفة الذنب وإن سلم أن الذنوب كلها كبائر من حيث إنها ذنوب ولكن بعضها أكبر من بعض وذلك يوجب التفاوت. وإذ قد عرفت أن الذنوب بعضها صغائر وبعضها كبائر فالكبيرة تتميز عن الصغيرة بذاتها أو باعتبار فاعلها. ذهب إلى كل واحد طائفة. فمن الأولين من قال : ويروى عن ابن عباس كل ما جاء في القرآن مقروناً بذكر الوعيد فهو كبيرة كالقتل المحرم والزنا وأكل مال اليتيم وغيرها. وزيف بأنه لا ذنب إلاّ وهو متعلق الذم عاجلاً والعقاب آجلاً فيكون كل ذنب كبيراً وهو خلاف المفروض. وعن ابن مسعود أن الكبائر هي ما نهى الله تعالى في الآيات المتقدمة، وضعف بأنه تعالى ذكر الكبائر في سائر السور أيضاً فلا وجه للتخصيص. وقيل : كل عمد فهو كبير. ورُدّ بأنه إن أراد بالعمد أنه ليس بساهٍ فما هذا حاله فهو الذي نهى الله عنه فيكون كل ذنب كبيراً وقد أبطلناه، وإن أراد بالعمد أن يفعل المعصية مع العلم بأنها معصية فلا يكون كفر اليهود والنصارى كبيراً وهو باطل بالاتفاق. وأما الذين يقولون الكبائر تمتاز عن الصغائر باعتبار فاعلها، فوجهه أنّ لكل طاعة قدراً من الثواب، ولكل معصية قدراً من العقاب. فإذا وجد للإنسان طاعة ومعصية فالتعادل بين الاستحقاقين وإن كان ممكناً بحسب العقل إلاّ أنه غير ممكن بحسب السمع وإلاّ لم يكن مثل ذلك المكلف لا في الجنة ولا في النار وقد قال تعالى :﴿ فريق في الجنة وفريق في السعير ﴾ [ الشورى : ٧ ] فلا بد من ترجيح أحدهما، ويلزم حينئذٍ الإحباط والتكفير. والحق في هذه المسألة وعليه الأكثرون بعد ما مرّ من إثبات قسمة الذنب إلى الكبير والصغير أنه تعالى لم يميّز جملة الكبائر عن جملة الصغائر لما بين في هذه الآية أن الاجتناب عن الكبائر يوجب تكفير الصغائر. فلو عرف المكلف جميع الكبائر اجتنبها فقط واجترأ على الإقدام على الصغائر، أما إذا عرف أنه لا ذنب