وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال لأنّ الاكتساب من شأن الرجال، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث، وذلك من عمل الرجال، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارَة والأبنية، ونحو ذلك، وهذه حجّة خَطابية لأنّها ترجع إلى مصطلَح غالب البشر، لا سيما العرب.
ويَنْدُر أن تتولّى النساء مساعي من الاكتساب، لكن ذلك نادر بالنسبة إلى عمل الرجل مثل استئجار الظئر نفسَها وتنمية المرأة مالاً ورثتْه من قرابتها.
ومن بديع الإعجاز صوغ قوله :﴿ بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ﴾ في قالب صالح للمصدرية وللموصولية، فالمصدرية مشعرة بأنّ القيامية سببها تفضيل من الله وإنفاق، والموصولية مشعرة بأنّ سببها ما يعلمه الناس من فضل الرجال ومن إنفاقهم ليصلح الخطاب للفريقين : عالمهم وجاهلهم، كقول السموأل أو الحارثي :
سَلِي إن جَهِلْتتِ الناس عنّا وعنهم...
فليس سواء عالم وجهول
ولأنّ في الإتيان بـ ( بما ) مع الفعل على تقدير احتمال المصدرية جَزَالةً لا توجد في قولنا : بتفضيل الله وبالإنفاقِ، لأنّ العرب يرجّحون الأفعال على الأسماء في طرق التعْبير. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١١٤﴾
قوله تعالى ﴿قانتات حفظات لّلْغَيْبِ﴾
فصل
قال الفخر :
قوله :﴿قانتات حفظات لّلْغَيْبِ﴾ فيه وجهان :
الأول : قانتات، أي مطيعات لله، ﴿حفظات لّلْغَيْبِ﴾ أي قائمات بحقوق الزوج، وقدم قضاء حق الله ثم أتبع ذلك بقضاء حق الزوج.
الثاني : أن حال المرأة إما أن يعتبر عند حضور الزوج أو عند غيبته، أما حالها عند حضور الزوج فقد وصفها الله بأنها قانتة، وأصل القنوت دوام الطاعة، فالمعنى أنهن قيمات بحقوق أزواجهن، وظاهر هذا إخبار، إلا أن المراد منه الأمر بالطاعة.