فإن كان الأوّل تُرِكَا ؛ لما رواه النّسائِي أن عَقِيل بن أبي طالب تزوّج فاطمةَ بنتَ عتبة بن ربيعة فكان إذا دخل عليها تقول : يا بني هاشم، واللَّهِ لا يحِبكم قلبي أبداً! أين الذين أعناقهم كأباريق الفِضة! تُرَدّ أُنوفهم قبل شِفاهِهِم، أين عُتبةُ بن ربيعة، أبن شَيْبة بن ربيعة ؛ فيسكت عنها، حتى دخل عليها يوماً وهو بَرِمٌ فقالت له : أين عُتبة بن ربيعة ؟ فقال : على يسارك في النار إذا دخلت ؛ فنشرت عليها ثيابها، فجاءت عثمان فذكرت له ذلك ؛ فأرسل ابن عباس ومعاوية، فقال ابن عباس : لأُفرقنّ بينهما ؛ وقال معاوية ؛ ما كنت لأُفرّق بين شيخين من بني عبد مناف.
فأتياهما فوجداهما قد سدّا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما.
فإن وجداهما قد اختلفا ولم يصطلِحا وتفاقم أمرهما سَعَيَا في الأُلفة جهدهما، وذَكّرا بالله وبالصحبة.
فإن أنابَا ورجعا تركاهما، وإن كانا غير ذلك ورأيا الفرقة فرّقا بينهما.
وتفريقهما جائز على الزوجين ؛ وسواء وافق حُكْم قاضي البلد أو خالفه، وكّلَهما الزوجان بذلك أو لم يوكّلاهما.
والفِراق في ذلك طلاقٌ بائن.
وقال قوم : ليس لهما الطلاق ما لم يوكّلْهما الزوج في ذلك، وليعرّفا الإمام ؛ وهذا بناء على أنهما رسولان شاهدان.
ثم الإمام يفرّق إن أراد ويأمر الحَكَم بالتفريق.
وهذا أحد قولي الشافعيّ ؛ وبه قال الكوفيون، وهو قول عطاء وابن زيد والحسن، وبه قال أبو ثور.
والصحيح الأوّل، وأن للحكمين التطليقَ دون توكيل ؛ وهو قول مالك والأُوزاعيّ وإسحاق ورُوي عن عثمان وعليّ وابن عباس، وعن الشَّعْبيّ والنَّخَعِيّ، وهو قول الشافعي ؛ لأن الله تعالى قال :﴿ فابعثوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾ وهذا نص من الله سبحانه بأنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان.