ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الشِّرْكَ قَدْ فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، وَأَوْرَدَ شَوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ عَنِ الْمُعْتَقِدِينَ الْغَالِينَ فِي الْبَدَوِيِّ " شَيْخِ الْعَرَبِ " وَ " الدُّسُوقِيِّ " وَغَيْرِهِمَا لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ يُؤَوِّلُونَ لِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا يَتَكَلَّفُونَ الِاعْتِذَارَ لَهُمْ لَزَحْزَحَتِهُمْ عَنْ شِرْكٍ جَلِيٍّ وَاضِحٍ إِلَى شِرْكٍ أَقَلَّ مِنْهُ جَلَاءً وَوُضُوحًا، وَلَكِنَّهُ شِرْكٌ ظَاهِرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ، الَّذِي لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَّا الصِّدِّيقُونَ، وَمِنْهُ أَنْ يَعْمَلَ الْمُؤْمِنُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُحِبُّ أَنْ يُمْدَحَ عَلَيْهِ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِالْمَدْحِ عَلَيْهِ (مَثَلًا).
أَقُولُ : ثُمَّ عَقَّبَ الْأَمْرَ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ فَقَالَ : وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أَيْ : وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا تَامًّا لَا تُقَصِّرُوا فِي شَيْءٍ مِنْهُ،
يُقَالُ : أَحْسَنَ بِهِ وَأَحْسَنَ لَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ : إِذَا تَعَدَّى الْإِحْسَانُ بِالْبَاءِ يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِمَعْنَى الْعَطْفِ، وَعِنْدِي أَنَّ التَّعْدِيَةَ بِالْبَاءِ أَبْلَغُ لِإِشْعَارِهَا بِإِلْصَاقِ الْإِحْسَانِ بِمَنْ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِشْعَارٍ
بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْسِنِ، وَالتَّعْدِيَةُ بِـ " إِلَى " تُشْعِرُ بِطَرَفَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ يَصِلُ الْإِحْسَانُ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ.