وقال ابن عاشور :
﴿ وذُو القربى ﴾ صاحب القرابة، والقربى فُعلى، اسم للقُرب مصدرِ قَرُب كالرجعي، والمراد بها قرابة النسب، كما هو الغالب في هذا المركّب الإضافي : وهو قولهم : ذو القربى، وإنّما أمر بالإحسان إليه استبقاء لأواصر الودّ بين الأقارب، إذ كان العرب في الجاهلية قد حرّفوا حقوق القرابة فجعلوها سبب تنافس وتحاسد وتقاتل.
وأقوالهم في ذلك كثيرة في شعرهم ؛ قال ارطأة بن سهية :
ونحو بنو عمّ على ذاكَ بيننا...
زَرَابِيّ فيها بِغْضَةٌ وتَنَافُس
وحسبك ما كان بين بَكر وتغلب في حرب البَسُوس، وهما أقارب وأصهار، وقد كان المسلمون يومَها عَرَبا قَريبي عهد بالجاهلية ؛ فلذلك حثّهم على الإحسان إلى القرابة.
وكانوا يحسنون بالجار، فإذا كان من قرابتهم لم يكترثوا بالإحسان إليه، وأكّد ذلك بإعادة حرف الجرّ بعد العاطف.
ومن أجل ذلك لم تؤكّد بالباء في حكاية وصية بني إسرائيل ﴿ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل إلى قوله : وذي القربى ﴾ [ البقرة : ٨٣ ] لأنّ الإسلام أكّد أوامر القرابة أكثر من غيره.
وفي الأمر بالإحسان إلى الأقارب تنبيه على أنّ من سفالة الأخلاق أن يستخفّ أحد بالقريب لأنّه قريبه، وآمِن من غوائله، ويصرف برّه وودّه إلى الأباعد ليستكفي شرّهم، أو ليُذكر في القبائل بالذكر الحسن، فإنّ النفس التي يطوّعها الشرّ، وتَدينها الشدّة، لنفس لَئيمة، وكما ورد "شرّ الناس من اتّقاه الناس لشرّه" فكذلك نقول :"شرّ الناس من عَظَّم أحداً لشرّه". أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٢٣﴾

فصل


قال الفخر :
النوع الخامس : قوله :﴿واليتامى﴾ واعلم أن اليتيم مخصوص بنوعين من العجز : أحدهما : الصغر، والثاني : عدم المنفق، ولا شك أن من هذا حاله كان في غاية العجز واستحقاق الرحمة.


الصفحة التالية
Icon