كونه مقدور المكلف بل يحقق قدرته عليه فليحفظ فإنه مهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ٣١ ـ ٣٢﴾
وقال ابن عاشور :
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾
استئناف بعد أن وصف حالهم، وأقام الحجّة عليهم، وأراهم تفريطهم مع سهولة أخذهم بالحيطة لأنفسهم لو شاءوا، بيّن أنّ الله منزّه عن الظلم القليل، بله الظلم الشديد، فالكلام تعريض بوعيد محذوف هو من جنس العقاب، وأنّه في حقّهم عدل، لأنّهم استحقّوه بكفرهم، وقد دلّت على ذلك المقدّر أيضاً مقابلته بقوله :﴿ وإن تك حسنة ﴾ ولمّا كان المنفي الظلم، على أنّ ( مثقال ذرّة ) تقدير لأقلّ ظلم، فدلّ على أنّ المراد أنّ الله لا يؤاخذ المسيء بأكثر من جزاء سيّئته.
وانتصب ﴿ مثقال ذرة ﴾ بالنيابة عن المفعول المطلق، أي لا يظلم ظُلما مقدّراً بمثقال ذرّة، والمثقال ما يظهر به الثِّقَل، فلذلك صيغَ على وزن اسم الآلة، والمراد به المقدار.
والذَّرة تطلق على بيضة النمْلة، وعلى ما يتطاير من التراب عند النفخ، وهذا أحقر ما يقدُر به، فعلم انتفاء ما هو أكثر منه بالأولى. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٢٨﴾

فصل


قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ أي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرّة بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها.
والمراد من الكلام أن الله تعالى لا يظلم قليلاً ولا كثيراً ؛ كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئاً ﴾ [ يونس : ٤٤ ] والذرّة : النملة الحمراء ؛ عن ابن عباس وغيره، وهي أصغر النمل.
وعنه أيضاً رأس النملة.
وقال يزيد بن هارون : زعموا أن الذرة ليس لها وزن.
ويحكى أن رجلاً وضع خبزاً حتى علاه الذرّ مقدار ما يستره ثم وزنه فلم يزد على وزن الخبز شيئاً.


الصفحة التالية
Icon