و ﴿ هؤلاء ﴾ إشارة إلى الذين دعاهم النبي ﷺ لحضورهم في ذهن السامع عند سماعه اسم الإشارة، وأصل الإشارة يكون إلى مشاهد في الوجود أو منزّل منزلتَه، وقد اصطلح القرآن على إطلاق إشارة ( هؤلاء ) مراداً بها المشركون، وهذا معنى ألهمنا إليه، استقريْناه فكان مطابقاً.
ويجوز أن تكون الإشارة إلى ﴿ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ﴾ [ النساء : ٣٧ ] وهم المشركون والمنافقون، لأنّ تقدّم ذكرهم يجعلهم كالحاضرين فيشار إليهم، لأنّهم لكثرة توبيخهم ومجادلتهم صاروا كالمعيّنين عند المسلمين.
ومن أضعف الاحتمالات أن يكون ﴿ هؤلاء ﴾ إشارة إلى الشهداء، الدالّ عليهم قوله :﴿ كل أمةٍ بشهيد ﴾ وأن ورد في "الصحيح" حديث يناسبه في شهادة نوح على قومه وأنّهم يكذّبونه فَيشهد محمّد ﷺ بصِدقه، إذ ليس يلزم أن يكون ذلك المقصودَ من هذه الآية.
وذُكر متعلّق ( شهيدا ) الثاني مجروراً بعلى لتهديد الكافرين بأنّ الشهادة تكون عليهم، لأنّهم المقصود من اسم الإشارة.
وفي "صحيح البخاري" : أنّ عبد الله بن مسعود قال : قال لي النبي ﷺ " اقرأ عليّ القرآن، قلت : أقْرَأهُ عليك وعليكَ أنْزِل، قال : إني أحِبّ أنْ أسْمَعه من غيري " فقرأت عليه سورة النساء، حتّى إذا بلغتُ ﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ﴾، قال :﴿ أمسِك ﴾ فإذا عينَاه تذرفان.


الصفحة التالية
Icon