قال القاضي أبو محمد : الفرق بين هذين القولين أن الأول يقتضي أن الكتم لا ينفع بوجه، والآخر يقتضي أن الكتم لا ينفع وقع أو لم يقع، كما تقول : هذا مجلس لا يقال فيه باطل، وأنت تريد لا ينتفع به ولا يستمتع إليه، وقالت طائفة : الكلام كله متصل، ومعناه : يود الذين كفروا لو تسوى بهم الأرض، ويودون أن لا يكتموا الله حديثاً، وودهم لذلك إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا :﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾، وقالت طائفة : هي مواطن وفرق، وقالت طائفة : معنى الآية : يود الذين كفروا أن تسوى بهم الأرض، وأنهم لم يكتموا الله حديثاً، وهذا على جهة الندم على الكذب أيضاً، كما تقول : وودت أن أعزم كذا، ولا يكون كذا على جهة الفداء، أي يفدون كتمانهم بأن تسوى بهم الأرض. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ٥٥ ـ ٥٦﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً ﴾ قال الزجاج قال بعضهم :﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً ﴾.
مستأنف ؛ لأن ما عملوه ظاهر عند الله لا يقدرون على كتمانه.
وقال بعضهم : هو معطوف، والمعنى يودّ لو أن الأرض سوّيت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثاً ؛ لأنه ظهر كذبهم.
وسئل ابن عباس عن هذه الآية، وعن قوله تعالى :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ فقال : لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلُهم فلا يكتمون الله حديثا.
وقال الحسن وقَتادة : الآخرة مواطن يكون هذا في بعضها وهذا في بعضها.
ومعناه أنهم لما تبين لهم وحوسبوا لم يكتموا. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ١٩٩﴾.
سؤال : فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله :﴿والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] ؟.


الصفحة التالية
Icon