ولما نهى عما يدني من وقوع صورة الذنب الذي هو جري اللسان بما لا يليق به سبحانه وتعالى، وخفف ما كان شديداً بالتيمم ؛ ختم الآية بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي اختص بالكمال ﴿كان عفوّاً﴾ أي بترك العقاب على الذنب، وكأن هذا راجع إلى ما وقع حالة السكر ﴿غفوراً﴾ أي بترك العقاب وبمحو الذنب حتى لا يذكر بعد ذلك أصلاً، وكأن هذا راجع إلى التيمم، فإن الصلاة معه حسنة، ولولاه كانت سيئة مذكورة ومعاقباً عليها، إما على تركها لمشقة استعمال الماء عند التساهل، أو على فعلها بغير طهارة في بعض وجوه التنطع، وذلك معنى قوله سبحانه وتعالى في المائدة ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج﴾ [ المائدة : ٦ ] ومن كانت عادته العفو والمغفرة كان ميسراً غير معسر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٥٩ ـ ٢٦١﴾
وقال أبو حيان :
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي : أنه لما أمر تعالى بعبادة الله والإخلاص فيها، وأمر ببرّ الوالدين ومكارم الأخلاق، وذم البخل واستطرد منه إلى شيء من أحوال القيامة، وكان قد وقع من بعض المسلمين تخليط في الصلاة التي هي رأس العبادة بسبب شرب الخمر، ناسب أن تخلص الصلاة من شوائب الكدر التي يوقعها على غير وجهها، فأمر تعالى بإتيانها على وجهها دون ما يفسدها، ليجمع لهم بين إخلاص عبادة الحق ومكارم الأخلاق التي بينهم، وبين الخلق والخطاب بقوله : يا أيها الذين آمنوا للصاحين، لأن السكران إذا عدم التمييز لسكره ليس بمخاطب، لكنه مخاطب إذا صحا بامتثال ما يجب عليه، وبتكفيره ما أضاع في وقت سكره من الأحكام التي تقرّر تكليفه إياها قبل السكر، وليس في هذا تكليف ما لا يطاق على ما ذهب إليه بعض الناس. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٢٦٥﴾