وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ ويريدون أن تضلوا السبيل ﴾ أي يريدون للمؤمنين الضلالة لئلا يفضلوهم بالاهتداء، كقوله :﴿ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق ﴾ [ البقرة : ١٠٩ ].
فالإرادة هنا بمعنى المحبّة كقوله تعالى :﴿ يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الدين من قبلكم ﴾.
ولك أن تجعل الإرادة على الغالب في معناها وهو الباعث النفساني على العمل، أي يسعون لأن تضلّوا، وذلك بإلقاء الشبه والسعي في صرف المسلمين عن الإيمان، وقد تقدّم آنفاً قوله تعالى :﴿ ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيماً ﴾ [ النساء : ٢٧ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٤٣﴾
فصل
قال الطبرى فى معنى الآية :
يعني جل ثناؤه بقوله :"يشترون الضلالة"، اليهود الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، يختارون الضلالة وذلك : الأخذ على غير طريق الحقّ، وركوبُ غير سبيل الرشد والصواب، مع العلم منهم بقصد السبيل ومنهج الحق.
وإنما عنى الله بوصفهم باشترائهم الضلالة : مقامهم على التكذيب بمحمد ﷺ، وتركهم الإيمان به، وهم عالمون أنّ السبيل الحقَّ الإيمانُ به، وتصديقه بما قد وجدوا من صفته في كتبهم التي عندهم.
وأما قوله :"ويريدون أن تضلوا السبيل"، يعني بذلك تعالى ذكره : ويريد هؤلاء اليهود الذين وصَفهم جل ثناؤه بأنهم أوتوا نصيبًا من الكتاب " أن تضلوا" أنتم، يا معشر أصحاب محمد ﷺ، المصدقين به " أن تضلوا السبيل"، يقول : أن تزولوا عن قصد الطريق ومَحَجَّة الحق، فتكذبوا بمحمد، وتكونوا ضلالا مثلهم.
وهذا من الله تعالى ذكره تحذيرٌ منه عبادَه المؤمنين، أن يستنصحوا أحدًا من أعداء الإسلام في شيء من أمر دينهم، أو أن يسمعوا شيئًا من طعنهم في الحق. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٨ صـ ٤٢٨ ـ ٤٢٩﴾