وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب : لأن الله جل ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهودَ الذين وصف صفتهم بقوله :"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة"، ثم حذرهم جل ثناؤه بقوله :"يا أيها الذين أوتوا الكتاب أمنوا بما نزلنا مصدِّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها" الآية، بأسَه وسطوته وتعجيل عَقابه لهم، إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به. ولا شك أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارًا.
وإذْ كان ذلك كذلك، فبيّنٌ فساد قول من قال : تأويل ذلك : أن نعمِيها عن الحق فنردها في الضلالة. فما وجْه ردِّ من هو في الضلالة فيها ؟ ! وإنما يرد في الشيء من كان خارجًا منه. فأما من هو فيه، فلا وجه لأن يقال :"نرده فيه".
وإذْ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا أنّ الله قد تهدَّد للذين ذكرهم في هذه الآية بردّه وجوهَهم على أدبارهم كان بيّنًا فساد تأويل من قال : معنى ذلك : يهددهم بردِّهم في ضلالتهم.
وأما الذين قالوا : معنى ذلك : من قبل أن نجعل الوجوه منابتَ الشعر كهيئة وجوه القردة، فقولٌ لقول أهل التأويل مخالف. وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الخالفين، على خطئه شاهدًا.
وأما قول من قال : معناه : من قبل أن نطمس وجوههم التي هم فيها، فنردّهم إلى الشأم من مساكنهم بالحجاز ونجدٍ، فإنه وإن كان قولا له وجه مما يدل عليه ظاهر التنزيل بعيد. وذلك أن المعروف من"الوجوه" في كلام العرب، التي هي خلاف"الأقفاء"، وكتاب الله يُوَجَّه تأويله إلى الأغلب في كلام مَن نزل بلسانه، حتى يدلّ على أنه معنيٌّ به غير ذلك من الوجوه، الذي يجب التسليم له. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٨ صـ ٤٤٣ ـ ٤٤٤﴾
قوله تعالى ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أصحاب السبت﴾
قال الفخر :