على سؤال نشأ منه كأنه قيل : ماذا يصنعون حتى يُنظَرَ إليهم ؟ فقيل : يأخذون الضلالةَ ويترُكون ما أُوتوه من الهداية، وإنما طُويَ ذكرُ المتروك لغاية ظهورِ الأمرِ لا سيما بعد الإشعارِ المذكورِ، والتعبيرُ عن ذلك بالاشتراء الذي هو عبارةٌ عن استبدال السلعةِ بالثمن أي أخذِها بدلاً منه أخذاً ناشئاً عن الرغبة فيها والإعراضِ عنه للإيذان بكمال رغبتِهم في الضلالة التي حقُّها أن يُعرَضَ عنها كلَّ الإعراضِ، وإعراضِهم عن الهداية التي يتنافس فيها المتنافسون، وفيه من التسجيل على نهاية سخافةِ عقولِهم وغايةِ ركاكةِ آرائِهم ما لا يخفى حيث صُوِّرت حالُهم بصورة ما لا يكاد يتعاطاه أحدٌ ممن له أدنى تمييزٍ، وليس المرادُ بالضلالة جنسَها الحاصلَ لهم من قبلُ حتى يُخِلَّ بمعنى الاشتراءِ المنبيءِ عن تأخُّرِها عنه بل هو فردُها الكاملُ وهو عنادُهم وتماديهم في الكفر بعد ما علموا بشأن النبيِّ عليه السلام وتيقنوا بحقِّية دينه وأنه هو النبيُّ العربيُّ المبشَّرُ به في التوراة، ولا ريب في أن هذه الرتبةَ لم تكن حاصلةً لهم قبل ذلك وقد مر في أوائل سورة البقرة.
﴿ وَيُرِيدُونَ ﴾ عطفٌ على يشترون شريكٌ له في بيان محلِّ التشنيعِ والتعجبِ، وصيغةُ المضارعِ فيهما للدِلالة على الاستمرار التجدّدي، فإن تجددَ حُكمِ اشترائِهم المذكورِ وتكررَ العملِ بموجبه في قوة تجدّدِ نفسِه وتكرُّرِه، أي لا يكتفون بضلال أنفسِهم بل يريدون بما فعلوا من كتمان نعوتِه عليه السلام ﴿ أَن تَضِلُّواْ ﴾ أنتم أيضاً أيها المؤمنون ﴿ السبيل ﴾ المستقيمَ الموصِلَ إلى الحق. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٢ صـ ١٨١ ـ ١٨٢﴾