هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على العفو عن أصحاب الكبائر.
واعلم أن الاستدلال بها من وجوه :
الوجه الأول : أن قوله :﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ معناه لا يغفر الشرك على سبيل التفضل لأنه بالإجماع لا يغفر على سبيل الوجوب، وذلك عندما يتوب المشرك عن شركه، فإذا كان قوله : إن الله لا يغفر الشرك هو أنه لا يغفره على سبيل التفضل، وجب أن يكون قوله :﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾ هو أن يغفره على سبيل التفضل ؛ حتى يكون النفي والاثبات متواردين على معنى واحد.
ألا ترى أنه لو قال : فلان لا يعطي أحدا تفضلا، ويعطي زائدا فإنه يفهم منه أنه يعطيه تفضلا، حتى لو صرح وقال : لا يعطي أحدا شيئاً على سبيل التفضل ويعطي أزيد على سبيل الوجوب، فكل عاقل يحكم بركاكة هذا الكلام، فثبت أن قوله :﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ على سبيل التفضل.
إذا ثبت هذا فنقول : وجب أن يكون المراد منه أصحاب الكبائر قبل التوبة، لأن عند المعتزلة غفران الصغيرة وغفران الكبيرة بعد التوبة واجب عقلا، فلا يمكن حمل الآية عليه، فإذا تقرر ذلك لم يبق إلا حمل الآية على غفران الكبيرة قبل التوبة وهو المطلوب.
الثاني : أنه تعالى قسم المنهيات على قسمين : الشرك وما سوى الشرك، ثم إن ما سوى الشرك يدخل فيه الكبيرة قبل التوبة، والكبيرة بعد التوبة والصغيرة، ثم حكم على الشرك بأنه غير مغفور قطعا، وعلى ما سواه بأنه مغفور قطعا، لكن في حق من يشاء، فصار تقدير الآية أنه تعالى يغفر كل ما سوى الشرك، لكن في حق من شاء.
ولما دلت الآية على أن كل ما سوى الشرك مغفور، وجب أن تكون الكبيرة قبل التوبة أيضاً مغفورة.