وسكارى جمع سكران. وقوله :﴿ وأنتم سكارى ﴾ في محل النصب على الحال ولهذا عطف عليه قوله :﴿ ولا جنباً ﴾ والجنب يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الاجتناب، وخالف الضحاك جمهور الصحابة والتابعين فقال : إن السكر ههنا يراد به غلبة النوم ويوافقه الاشتقاق، فإن السكر عن سد الطريق، ومنه سكر السبيل سد طريقه. والسكر في الشراب هو أن ينقطع عما عليه من المضار في حال الصحو، فعند النوم تمتلىء مجاري الروح من الأبخرة الغليظة فتنسد تلك المجاري بها ولا ينفذ الروح السامع والباصر إلى ظاهر البدن. والجواب أن لفظ السكر حقيقة في السكر من الخمر والأصل في الإطلاق الحققة، ومتى استعمل مجاماً فإنما استعمل مقيداً كقوله تعالى :﴿ وجاءت سكرة الموت ﴾ [ ق : ١٩ ] ﴿ وتر الناس سكارى ﴾ [ الحج : ٢ ] وأيضاً أجمع المفسرون على أنها نزلت في شرب الخمر، وسبب النزول يمتنع أن لا يكون مراداً من الآية. ثم على قول الجمهور يمكن ادعاء النسخ في الآية بأنه إنما نهى عن قربان الصلاة حال السكر ممدوداً إلى غاية أن يصير بحيث يعلم ما يقول، والحكم الممدود إلى غاية يقتضي انتهاء ذلك الحكم عند تلك الغاية فهذا يقتضي جواز الصلاة مع السكر إذا كان بحيث يعلم ما يقول. وجواز الصلاة مع هذا السكر توهم جواز هذا السكر، لكنه تعالى حرم الخمر في آية سورة المائدة على الإطلاق فتكون ناسخة لبعض مدلولات هذه الآية. ومن قال : إن مدلول الكلام يرجع إلى النهي عن الشرب المخل بالفهم عند القرب من الصلاة، وتخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه فلا يكون منسوخاً، يكذبه أن الصحابة لم يفهموا منها التحريم المطلق فكانوا لا يشربون في أوقات الصلاة، فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلاّ وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون إلى أن نزلت آية المائدة فقالوا : انتهينا يا رب. والتحقيق فيه أن النهي عن مباح الأصل في وقت ما


الصفحة التالية
Icon