﴿ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ ﴾ أي ولكن لم يقولوا الأنفع والأقوم، واستمروا على ذلك فخذلهم الله تعالى وأبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم ﴿ فَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ بعد ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ اختار العلامة الثاني كونه استثناء من ضمير المفعول في ﴿ لَّعَنَهُمُ ﴾ أي ولكن لعنهم الله تعالى إلا فريقاً قليلاً منهم فإنه سبحانه لم يلعنهم فلهذا آمن من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه، وقيل : هو مستثنى من فاعل ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ ويتجه عليه أن الوجه حينئذ الرفع على البدل لأنه من كلام غير موجب مع أن القراء قد اتفقوا على النصب، ويبعد منهم الاتفاق على غير المختار مع أنه يقتضي وقوع إيمان من لعنه الله تعالى وخذله إلا أن يحمل ﴿ لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ ﴾ على لعن أكثرهم وهو كما ترى، وقيل : إنه صفة مصدر محذوف أي إلا إيماناً قليلاً لأنهم وحدوا وكفروا بمحمد ﷺ وشريعته، والإيمان بمعنى التصديق لا الإيمان الشرعي، وجوز على هذا الوجه أن يراد بالقلة العدم كما في قوله :
قليل التشكي للمهم يصيبه...
كثير الهوى شتى النوى والمسالك
والمراد أنهم لا يؤمنون إلا إيماناً معدوماً إما على حد ﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الاولى ﴾ [ الدخان : ٥٦ ] أي إن كان المعدوم إيماناً فهم يحدثون شيئاً من الإيمان فهو من التعليق بالمحال، أو أن ما أحدثوه منه لما لم يشتمل على ما لا بد منه كان معدوماً انعدام الكل بجزئه، والوجه هو الأول. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ٤٥ ـ ٤٩﴾
من فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
قوله تعالى ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾
يجوز أن يكون هذا كلاماً مستأنفاً.