وقوله :﴿ سمعنا وأطعنا ﴾ يشبه أنّه ممّا جرى مجرى المثل بقول من أمر بشيء وامتثله "سَمّعٌ وطاعة"، أي شأني سمع وطاعة، وهو ممّا التزم فيه حذف المبتدإ لأنّه جرى مجرى المثل، وسيجيء في سورة النور ( ٥١ ) قولُه تعالى :﴿ إنّما كان قولَ المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ﴾ وقوله : وأقوم تفضيل مشتقّ من القيام الذي هو بمعنى الوضوح والظهور، كقولهم : قام الدليلُ على كذا، وقامت حجّة فلان.
وإنّما كان أقومَ لأنّه دالّ على معنى لا احتمال فيه، بخلاف قولهم.
والاستدراك في قوله :﴿ ولكن لعنهم الله بكفرهم ﴾ ناشىء عن قوله :﴿ لكان خيراً لهم ﴾، أي ولكن أثر اللَّعْنَة حاق بهم فحرموا ما هو خير فلا ترشَحُ نفوسهم إلاّ بآثار ما هو كمين فيها من فعل سيّىءٍ وقول بَذَاءٍ لا يستطيعون صرف أنفسهم عن ذلك.
ومعنى ﴿ فلا يؤمنون إلا قليلاً ﴾ أنهم لا يؤمنون أبداً فهو من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه، وأطلق القلّة على العدم.
وفسّر به قول تَأبّط شرّاً :
قليلُ التشكّي للمُهِمّ يصيبُه...
كثيرُ الهَوى شَتَّى النَّوَى والمَسالك
قال الجاحظ في "كتاب البيان" عند قول عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يصف أرض نصيبين "كثيرة العقارب قليلة الأقارب"، يضعون ( قليلاً ) في موضع ( ليس )، كقولهم : فلان قليل الحياء.
ليس مرادهم أن هناك حياء وإن قَلَّ".
قلت : ومنه قول العرب : قَلَّ رجل يقولُ ذلك، يريدون أنّه غير موجود.
وقال صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى :"أإله مع الله قليلاً ما تذكّرون" "والمعنى نفي التذكير.
والقلّة مستعمل في معنى النفي".