وإمَّا : على جعل " مِنْ " بمعنى " عَلَى "، والأوَّل مَذْهَب البَصْريين، فإذا جَعَلْنَا ﴿ مِّنَ الذين ﴾ بياناً لما قَبْلَهُ، فبِمَ يتعلَّق والظاهر [ أنَّه يتعلَّقُ بمحذُوفٍ ؛ ويدل على ذَلِك أنَّهُم قالوا في سقيا لك ]، إنه مُتعلِّق بمحذوف لأنه بَيَانٌ له، وقال أبو البقاء :[ وقيل ] وهو حَالٌ من أعْدَائِكُم، أي :[ والله أعلم بأعْدَائِكُم ] كائنين من الذين هادُوا، والفَصْل بينهما مُسَدَّد، فلم يمنع من الحَالِ، فقوله هذا يُعْطي أنه بَيَانٌ لأعْدَائِكُم مع إعْرَابه له حالاً، فيتعَلَّق أيضاً بمحذُوفٍ، لكن لا على ذلك الحَذْف المَقْصُود في البَيَان، وقد ظهر مِمَّا تقدم أن ﴿ يُحَرِّفُونَ ﴾، إما لا مَحَلَّ له، أو لَهُ مَحَلُّ رَفْع أو نَصْبٍ على حَسَب ما تقدَّم وقال أبو رَجَاءٍ والنَّخْعي :" الكَلاَم " وقُرئ :" الكِلْم " بكسر الكاف وسكون اللام، جمع " كَلِم " مخففة من كلمة، ومعانيها مُتَقَارِبَة.
قوله :﴿ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ متعلِّق بـ ﴿ يُحَرِّفُونَ ﴾ وذكر الضمير في ﴿ مَّوَاضِعِهِ ﴾ حملاً على ﴿ الكلم ﴾، لأنَّها جِنْس.
وقال الوَاحِدِي : هذا جمع حُرُوفه أقَلُّ من حُروف واحِده، وكل جَمْع يكون كذلِك، فإنه يجوز تَذْكِيرُه.
وقال غيره : يمكن أن يُقال : كون هذا الجَمْعِ مؤنَّثاً ليس أمْراً حقيقيَّا، بل هو أمر لَفْظِيٌّ، فكان التَّذكير والتَّأنِيث فيه جَائِزاً. وجاء هُنَا " عن مواضعه " وفي المائدة :﴿ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [ المائدة : ٤١ ].


الصفحة التالية
Icon