قال أبو حيان : وما ذكراهُ من أنَّ التقْليل يُرادُ به العَدَم صَحِيحٌ، غير أن هَذَا التَّرْكيب الاستثنائي يأباه، فإذا قُلت : لم أقُمْ إلاَّ قَلِيلاً، فالمعنى انْتفَاء القِيَامِ إلا القَلِيل، فيوجد منك إلا أنَّه دالٌّ على انْتِقَاءِ القِيَام ألْبَتَّةَ ]، بخلاف : قلَّما يقُول ذلك أحَدٌّ إلا زَيْد، وقَلَّ رَجُلٌ يفعل ذلك، فإنه يَحْتَمِل التَّقْليل المُقَابل للتكثيرِ، ويحتمل النَّفْي المَحْض، أما أنك تَنْفِي ثم تُوجِب، ثم تُريد بالإجَابِ بعد النَّفْي نَفْياً فلا ؛ لأنه يَلْزَم أن تَجيء " إلاَّ " وما بَعْدَهَا لَغْواً من غير فائدةٍ ؛ لأن انْتِفَاء القِيَام قد فُهِمَ من َوْلِكَ : لَمْ أقُمْ، فأيُّ فَائِدةٍ في استِثْنَاءٍ مُثْبَتٍ يرادُ به انْتِفَاء مَفْهُوم من الجُمْلَة السَّابِقة، وأيْضاً فإنَّه يُؤدِّي إلى ان يكُون ما بَعْدَ " إلاَّ " مُوافقاً لما قبلها في المَعْنَى، والاستِثْنَاء يَلْزَم أن يكُون ما بعد إلا مُخالفاً لما قبلها فيهِ. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٦ صـ ٤٠٤ ـ ٤١١﴾. بتصرف يسير.
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
قوله :﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾... الآية : تركوا حشمة الرسول - ﷺ - ورفضوا حرمته، فعوقبوا بالشك في أمره، ولذلك لم يترك أحد حشمته ( محتشم ) إلا حيل بينه وبين نيل بركات صحبته وزوائد خدمته. ولو أنهم عاجلوا في نفي ما دَاخَلَهم من الحسد وقابلوا حاله بالتبجيل والإعظام لوجدوا بركات متابعته، فأُسْعِدوا به في الدارين، وكيف لم يكونوا كذلك وقد أقصتهم السوابق فأقعدتهم القسمة عن بساط الخدمة ؟ وإنَّ مَنْ قعدت به الأقدار لم ينهض به الاحتيال. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٣٣٧﴾