فقوله : ليت عينيه سواء يظهر ماذا ؟. هل يا ترى يتمنى له أن تكون عينه المريضة مثل السليمة ؟ أو يتمنى أن تكون العين السليمة مثل المريضة ؟ إذن فالكلام يحتمل الخير والشر، ومثلما حكوا لنا أن واحداً من الولاة طلب من الخطيب أن يسب سيدنا عليّاً - كرم الله وجهه وآله - وأن يلعنهم على المنبر.
فقال الخطيب : اعفني.
فقال الوالي : لا، عزمت عليك إلاَّ فعلت.
فقال له الخطيب : إن كنت عزمت على إلاّ فعلتُ، فسأصعد المنبر وأقول : طلب مني فلان أن أسب عليّاً فقولوا معي يلعنه الله.
فقال له : لا تقل شيئاً. فقد فهم الوالي مقصد الخطيب وقدرته على استعمال الكلام على معنيين.
والحق يقول :﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾. وأريد أن تنتبهوا إلى أن أسلوب القرآن يأتي في بعض المواقع بألفاظ واحدة، ولكنه يعدل عن عبارة إلى عبارة، فيخيل لأصحاب النظر السطحية أن الأمر تكرار، ولكنه ليس كذلك، مثلما يقول مرة :﴿ يشترون الضلالة بالهدى ﴾ ومرة لا يأتي بالهدى كثمن للضلالة ويقول :﴿ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ ﴾، ولم يلتفتوا إلى أن هدى الفطرة مطموس عندهم هنا، ومثال آخر هو قول الحق :
﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾
[المائدة : ٤١].
وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول سبحانه :﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾، فكأن المسألة لها أصل عندهم، فالكلام المنزل من الله وضع - أولا - وضعه الحقيقي ثم أزالوه وبدَّلوه ووضعوا مكانه كلاما غيره مثل تحريفهم الرجم بوضعهم الحد مكانه.


الصفحة التالية
Icon