ولما توقف الأمر عقلاً على إثبات الأجسام أصلاً، ولا يتوهم من هذا أني أقول باستحالة إعادة المعدوم معاذ الله تعالى، ولكني أقول بعدم الحاجة إلى إعادته وإن أمكنت، والنصوص في هذا الباب متعارضة، فمنها ما يدل على إعادة الأجسام بعينها بعد إعدامها، ومنها ما يدل على خلق مثلها وفناء الأولى، ولا أرى بأساً بعد القول بالمعاد الجسماني في اعتقاد أي الأمرين كان، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في الآيات التي يدل ظاهرها على إعادة العين مثل قوله سبحانه :﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ النور : ٢٤ ] وما في "شرح البخاري" للسفيري من أنه لا تزال الخصومة بين الناس حتى تختصم الروح والجسد يوم القيامة، فتقول الروح للجسد : أنت فعلت وأني كنت ريحاً ولولاك لم أستطع أن أعمل شيئاً، ويقول الجسد للروح : أنت أمرت وأنت سولت ولولاك لكنت بمنزلة الجذع الملقى لا أحرك يداً ولا رجلاً، فيبعث الله تعالى ملكاً يقضي بينهما فيقول لهما : إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير وآخر ضرير دخلا بستاناً فقال المقعد للضرير : إني أرى ههنا ثماراً لكن لا أصل إليها فقال له الضرير : اركبني فتناولها فأيهما المتعدي ؟ فيقولان كلاهما فيقول لهما الملك : فإنكما قد حكمتما على أنفسكما لا أراه صحيحاً لظهور الفرق بين المثال والممثل له فإن الحامل فيما نحن فيه لا اختيار له ولا شعور بوجه من الوجوه اللهم إلا أن يكون هناك شعور لكن لا شعور لنا به" ولعل لنا عودة إن شاء الله تعالى لتحقيق هذا المقام، ثم إن هذا التبديل كيفما كان يكون في الساعة الواحدة مرات كثيرة.


الصفحة التالية
Icon