﴿ لِيَذُوقُواْ العذاب ﴾ أي ليدوم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز : أعزك الله والتعبير عن إدراك العذاب بالذوق من حيث إنه لا يدخله نقصان بدوام الملابسة، أو للإشعار بمرارة العذاب مع إيلامه أو للتنبيه على شدة تأثيره من حيث إن القوة الذائقة أشد الحواس تأثيراً أو على سرايته للباطن، ولعل السر في تبديل الجلود مع قدرته تعالى على إبقاء إدراك العذاب وذوقه بحال مع الاحتراق أو مع بقاء أبدانهم على حالها مصونة عنه أن النفس ربما تتوهم زوال الإدراك بالاحتراق ولا تستبعد كل الاستبعاد أن تكون مصونة عن التألم والعذاب صيانة بدنها عن الاحتراق قاله مولانا شيخ الإسلام، وقيل : السر في ذلك أن في النضج والتبديل نوع إياس لهم وتجديد حزن على حزن، وأنكر بعضهم نضج الجلود بالمعنى المتبادر وتبديلها زاعماً أن التبديل إنما هو للسرابيل التي ذكرها الله سبحانه بقوله :﴿ سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ ﴾ [ إبراهيم : ٥٠ ] وسميت السرابيل جلوداً للمجاورة، وفيه أنه ترك للظاهر، ويوشك أن يكون خلاف المعلوم ضرورة، وأن السرابيل لا توصف بالنضج وكأنه ما دعاه إلى هذا الزعم سوى استبعاد القول بالظاهر، وليس هو بالبعيد عن قدرة الله سبحانه وتعالى. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ٥٩ ـ ٦٠﴾
وقال ابن عاشور :
و﴿ نضجت ﴾ بلغت نهاية الشيّ، يقال : نضج الشِّواء إذا بلغ حدّ الشيّ، ويقال : نضج الطبيخ إذا بلغ حدّ الطبخ.
والمعنى : كلّما احترقت جلودهم، فلم يبق فيها حياة وإحساس.
بدّلناهم، أي عوّضناهم جلوداً غيرها، والتبديل يقتضي المغايرة كما تقدّم في قوله في سورة البقرة :﴿ أتستبدلون الذي هو أدنى ﴾ [ البقرة : ٦١ ].
فقوله :﴿ غيرها ﴾ تأكيد لما دلّ عليه فعل التبديل.
وانتصب ﴿ ناراً ﴾ على أنَّه مفعول ثان لأنّه من باب أعطَى.


الصفحة التالية
Icon