وَأَمَّا سَعَادَةُ الْآخِرَةِ وَشَقَاؤُهَا فَهُوَ أَشَدُّ وَأَبْقَى، وَالْمَدَارُ فِيهِمَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ أَيْضًا، إِنَّ رُوحَ الْمُوَحِّدِينَ تَكُونُ رَاقِيَةً عَالِيَةً لَا تَهْبِطُ بِهَا الذُّنُوبُ الْعَارِضَةُ إِلَى الْحَضِيضِ الَّذِي تَهْوِي فِيهِ أَرْوَاحُ الْمُشْرِكِينَ، فَمَهْمَا عَمِلَ الْمُشْرِكُ مِنَ الصَّالِحَاتِ تَبْقَى رُوحُهُ سَافِلَةً مُظْلِمَةً بِالذُّلِّ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالْخُضُوعِ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، فَلَا تَرْتَقِي بِعَمَلِهَا إِلَى الْمُسْتَوَى الَّذِي تَنْعَمُ فِيهِ أَرْوَاحُ الْمُوَحِّدِينَ الْعَالِيَةُ فِي أَجْسَادِهِمُ الشَّرِيفَةِ، وَمَهْمَا أَذْنَبَ الْمُوَحِّدُونَ، فَإِنَّ ذُنُوبَهُمْ لَا تُحِيطُ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَظُلْمَتَهَا لَا تَعُمُّ قُلُوبَهُمْ ; لِأَنَّهُمْ بِتَوْحِيدِ اللهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَعِزِّ الْإِيمَانِ وَرِفْعَتِهِ يَغْلِبُ خَيْرُهُمْ عَلَى شَرِّهِمْ، وَلَا يَطُولُ
الْأَمَدُ وَهُمْ فِي غَفْلَتِهِمْ عَنْ رَبِّهِمْ، بَلْ هُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٧ : ٢٠١)، يُسْرِعُونَ إِلَى التَّوْبَةِ، وَإِتْبَاعِ الْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ : إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (١١ : ١١٤)، فَإِذَا ذَهَبَ أَثَرُ السَّيِّئَةِ مِنَ النَّفْسِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْغُفْرَانَ، فَكُلُّ سَيِّئَاتِ الْمُوَحِّدِينَ قَابِلَةٌ لِلْمَغْفِرَةِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ أَيْ : يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُذْنِبِينَ،


الصفحة التالية
Icon