وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَجْزِي كُلَّ عَامِلِ خَيْرٍ بِعَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا ; لِأَنَّ لِعَمَلِهِ أَثَرًا فِي نَفْسِهِ يَكُونُ مَنَاطَ الْجَزَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَصِلْ تَأْثِيرُ عَمَلِ الْمُشْرِكِ إِلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا النَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّ عَمَلَهُ يَنْفَعُهُ بِكَوْنِ عَذَابِهِ أَقَلَّ مِنْ عَذَابِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلَ عَمَلِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا رَجُلَانِ يَشْرَبَانِ الْخَمْرَ، أَحَدُهُمْ مُقِلٌّ وَالْآخَرُ مُكْثِرٌ، فَضَرَرُ الْمُكْثِرِ يَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ ضَرَرِ الْمُقِلِّ، وَآخَرَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الشُّرْبِ وَلَكِنْ بِنْيَةُ أَحَدِهِمَا قَوِيَّةٌ تُقَاوِمُ الضَّرَرَ أَنْ يَفْتِكَ بِالْجِسْمِ، وَبِنْيَةُ الْآخَرِ ضَعِيفَةٌ لَا تَسْتَطِيعُ الْمُقَاوَمَةَ، فَإِنَّ ضَرَرَ هَذَا مِنَ الشُّرْبِ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ ضَرَرِ ذَاكَ.
كَذَلِكَ الرُّوحُ الْقَوِيَّةُ السَّلِيمَةُ الْفِطْرَةِ الصَّحِيحَةُ الْإِيمَانِ الْمُزَكَّاةُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا تَهْبِطُ بِهَا السَّيِّئَةُ الْوَاحِدَةُ وَالسَّيِّئَتَانِ إِلَى دَرَجَةِ الْأَشْرَارِ الْفُجَّارِ فَتَجْعَلَهَا شَقِيَّةً مِثْلَهُمْ، بَلْ يَغْلِبُ خَيْرُهَا عَلَى الشَّرِّ الَّذِي يَعْرِضُ لَهَا، فَيُزِيلُهُ أَوْ يُضْعِفُهُ حَتَّى يَكُونَ ضَرَرُهَا غَيْرَ مُهْلِكٍ، وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ قَدْ يُعَذَّبُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِذَنْبِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ الْخَالِدِينَ.


الصفحة التالية
Icon