وقال ابن عاشور :
أعيد التعجيب من اليهود، الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، بما هو أعجب من حالهم التي مرّ ذكرها في قوله :﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ﴾ [ النساء : ٤٤ ] ؛ فإنّ إيمانهم بالجبت والطاغوت وتصويبهم للمشركين تباعد منهم عن أصول شرعهم بمراحل شاسعة، لأنّ أوّل قواعد التوراة وأولى كلماتها العشر هي ( لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحُوتاً، لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ ). أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٥٥﴾
فصل
قال الفخر :
روي أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة الرسول ﷺ، فقالوا : أنتم أهل كتاب، وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا، ففعلوا ذلك.
فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت، لأنهم سجدوا للأصنام، فقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلا أم محمد ؟ فقال كعب : ماذا يقول محمد ؟ يأمر بعبادة الله وحده وينهي عن عبادة الأصنام وترك دين آبائه، وأوقع الفرقة.
قال : وما دينكم ؟ قالوا : نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم، فقال : أنتم أهدى سبيلا.
فهذا هو المراد من قولهم :﴿لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أهدى مِنَ الذين ءامَنُواْ سَبِيلاً﴾ [ النساء : ٥١ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٣﴾