ستشهد الأرجل والجلود وغيرها من الأبعاض. لأنها في الدنيا كانت مقهورة لإرادتي، أنا أقول ليدي : افعلي كذا، ولرجلي : اسعي لكذا، وللساني : سب فلاناً، فالله سخر الجوارح وأمرها : يا جوارح أنت خاضعة لإرادة صاحبك في الدنيا. لكن في يوم القيامة أيكون لي إرادة على جوارحي ؟ لا، ستتمرد عليّ جوارحي :
﴿ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
[فصلت : ٢١].
وتقول الجوارح لنا : أنتم استخدمتمونا في الدنيا وحملتمونا أن نفعل أشياء نحن نكرهها، فدعونا اليوم لنشهد، إنها تخرج أسرارها ؛ لأن الملك الآن للواحد القهار :
﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾
[غافر : ١٦].
انتهت سيطرة الإنسان وليس لأحد غير الله إرادة على الأبعاض.
إذن فالنصيب من الكتاب هو أول شيء يربط المخلوق بالخالق، فإذا ارتبط المخلوق بالخالق قويت أسبابه، ويستقبل الأحداث بثبات، ويأتيه فرج ربنا، وعندما نقرأ القرآن يجب أن نلتفت إلى اللقطات العقدية فيه، فقد عرفنا مثلاً : أن سيدنا موسى عندما أراد أن يأخذ بني إسرائيل من فرعون ويخرج بهم، وقبل أن يصل بهم إلى البحر تنبه لهم قوم فرعون وجاءوا بجيوشهم، وكان قوم فرعون من ورائهم والبحر من أمامهم، فقال قوم موسى إيماناً بالأسباب :
﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
[الشعراء : ٦١].
بالله أأحد يكذِّب هذه المقولة ؟! لا، فماذا قال موسى عليه السلام ؟ لم يقل مثلما قال قومه، ولكنه نظر للمُسبب الأعلى فقال بملء فيه :
﴿ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
[الشعراء : ٦٢].
وهل تُكذَّب مقولته ؟ لا لا تُكذب ؛ لأنه لم يقل :" كَلاَّ " اعتماداً على أسبابه. فليس من محيط أسبابه أن يخرج من مثل هذا الموقف، بل قال :﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، ماذا قال له الله ؟
قال له :
﴿ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ﴾