الثاني : أن السبب لحصول البخل والحسد هو الجهل، والسبب مقدم على المسبب، لا جرم قدم تعالى ذكر الجهل على ذكر البخل والحسد.
وإنما قلنا : إن الجهل سبب البخل والحسد : أما البخل فلأن بذل المال سبب لطهارة النفس ولحصول السعادة في الآخرة، وحبس المال سبب لحصول مال الدنيا في يده، فالبخل يدعوك إلى الدنيا ويمنعك عن الآخرة، والجود يدعوك إلى الآخرة ويمنعك عن الدنيا، ولا شك أن ترجيح الدنيا على الآخرة لا يكون إلا من محض الجهل.
وأما الحسد فلأن الإلهية عبارة عن إيصال النعم والاحسان إلى العبيد، فمن كره ذلك فكأنه أراد عزل الإله عن الإلهية، وذلك محض الجهل.
فثبت أن السبب الأصلي للبخل والحسد هو الجهل، فلما ذكر تعالى الجهل أردفه بذكر البخل والحسد ليكون المسبب مذكورا عقيب السبب، فهذا هو الإشارة إلى نظم هذه الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٤ ـ ١٠٥﴾
فصل
قال الفخر :
"أم" ههنا فيه وجوه :
الأول : قال بعضهم : الميم صلة، وتقديره : ألهم لأن حرف "أم" إذا لم يسبقه استفهام كان الميم فيه صلة.
الثاني : أن "أم" ههنا متصلة، وقد سبق ههنا استفهام على سبيل المعنى، وذلك لأنه تعالى لما حكى عن هؤلاء الملعونين قولهم للمشركين : انهم أهدى سبيلا من المؤمنين، عطف عليه بقوله :﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ﴾ فكأنه تعالى قال : أمن ذلك يتعجب، أم من قولهم : لهم نصيب من الملك، مع أنه لو كان لهم ملك لبخلوا بأقل القليل.
الثالث : أن "أم" ههنا منقطعة وغير متصلة بما قبلها ألبتة، كأنه لما تم الكلام الأول قال : بل لهم نصيب من الملك، وهذا الاستفهام استفهام بمعنى الإنكار، يعني ليس لهم شيء من الملك ألبتة، وهذا الوجه أصح الوجوه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٥﴾
فصل
قال الفخر :
ذكروا في هذا الملك وجوها :