ولما ذمهم سبحانه وتعالى أولاً بالجهل ومدح النفس تشبعاً بما لم يعطوا، وذلك سبب لجميع النقائص، وثانياً بأعظم منه : منع الحق من أهله بخلاً، وثالثاً بأعظم منهما : تمنى ألا يصل إلى أحد نعمة وإن كانت لا تنقصهم، فحازوا بذلك أعلى خلال الذم، وكانت المساوي تضع والمحاسن ترفع، تسبب عن هذا توقع السامع لإعلاء العرب وإدامة ذل اليهود وموتهم بحسدهم فقال :﴿فقد﴾ أي فتسبب عن هذا وتعقبه أنَّا آتيناهم - هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر للتنبيه على التوصيف الذي شاركوهم به في استحقاق الفضائل فقال :﴿آتينا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿آل إبراهيم﴾ أي الذي أعلمناكم في كتابكم أنا أقسمنا له أنَّا نعز ذريته ونهديهم ونجعل ابنة إسماعيل حالاً على جميع حدود إخوته، ويده في جميع الناس ويده على كل أحد ويد كل به ﴿الكتاب﴾ أي الذي لا كتاب إلا هو لما له من الحفظ والفضل بالإعجاز والفصل ﴿والحكمة﴾ أي النبوة التي ثمرتها العمل المتقن بالعلم المحرر المحكم ﴿وآتيناهم﴾ مع ذلك ﴿ملكاً عظيماً﴾ أي ضخماً واسعاً باقياً إلى أن تقوم الساعة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٦٨ ـ ٢٦٩﴾
فصل
قال الفخر :
في المراد بلفظ "الناس" قولان :
الأول : وهو قول ابن عباس والأكثرين انه محمد ﷺ، وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الجمع وهو واحد لأنه اجتمع عنده من خصال الخير ما لا يحصل إلا متفرقا في الجمع العظيم، ومن هذا يقال : فلان أمة وحده، أي يقوم مقام أمة، قال تعالى :﴿إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قانتا﴾ [ النحل : ١٢٠ ].
والقول الثاني : المراد ههنا هو الرسول ومن معه من المؤمنين، وقال من ذهب إلى هذا القول : إن لفظ الناس جمع، فحمله على الجمع أولى من حمله على المفرد.