وقال أبو السعود :
وقولُه تعالى :﴿ فَقَدْ ءاتَيْنَا ﴾ تعليلٌ للإنكار والاستقباحِ وإلزامٌ لهم بما هو مُسلَّمٌ عندهم وحسمٌ لمادة حسَدِهم واستبعادِهم المبنيَّيْن على توهّم عدمِ استحقاقِ المحسودِ لِما أوتيَ من الفضل ببيان استحقاقِه له بطريق الوراثةِ كابراً عن كابر، وإجراءُ الكلامِ على سَنن الكبرياءِ بطريق الالتفاتِ لإظهار كمالِ العنايةِ بالأمر، والمعنى أن حسدَهم المذكورَ في غاية القبحِ والبُطلانِ فإنا قد آتينا من قبلِ هذا ﴿ إبراهيم الكتاب ﴾ الذين هم أسلافُ محمدٍ عليه الصلاة والسلام أو أبناءُ أعمامِه ﴿ الكتاب والحكمة ﴾ أي النبوة ﴿ وءاتيناهم ﴾ مع ذلك ﴿ مُّلْكاً عَظِيماً ﴾ لا يقادَر قدرُه فكيف يستبعدون نبوتَه عليه الصلاة والسلام ويحسُدونه على إيتائها، وتكريرُ الإيتاءِ لما يقتضيه مقامُ التفضيلِ مع الإشعار بما بين النبوةِ والمُلكِ من المغايرة، فإن أريد به الإيتاءُ بالذات فالمرادُ بآل إبراهيمَ أنبياؤهم خاصة، والضميرُ المنصوبُ في الفعل الثاني لبعضهم إما بحذف المضافِ أو بطريق الاستخدامِ لما أن المُلكَ لم يُؤتَ كلَّهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : الملكُ في آل إبراهيمَ مُلكُ يوسفَ وداودَ وسليمانَ عليهم السلام إن أريد به ما يعُمّه وغيرَه من الإيتاء بالواسطةِ وهو اللائقُ بالمقام والأوفقُ لما قبله من نسبة إيتاءِ الفضلِ إلى الناس، فالمرادُ بآل إبراهيمَ كلُّهم فإن تشريفَ البعضِ بما ذُكر من إيتاء النبوةِ والمُلكِ تشريفٌ للكل لاعتنائهم بآثاره واقتباسِهم من أنواره، وفي تفصيل ما أُوتوه وتكريرِ الفعلِ ووصفِ المُلكِ بالعِظَم وتنكيرِه التفخيميِّ مع تأكيد الإلزامِ وتشديدِ الإنكارِ ما لا يخفى.