قيل : بلى قد كلمهم فمنهم من كلمه الله من وراء حجاب منه إليه بلا واسطة كموسى ومنهم من كلمه الله على لسان رسوله الملكي وهم الأنبياء وكلم الله سائر الناس على ألسنة رسله فأنزل عليهم كلامه الذي بلغته رسله عنه وقالوا لهم هذا كلام الله الذي تكلم به وأمرنا بتبليغه إليكم ومن ههنا قال السلف من أنكر كون الله متكلما فقد أنكر رسالة الرسل كلهم لأن حقيقتها تبليغ كلامه الذي تكلم به إلى عباده فإذا انتفى كلامه انتفت الرسالة وقال تعالى في سورة طه عن السامري ٢٠ : ٨٨ ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ، أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً﴾
ورجع القول : هو التكلم والتكليم وقال تعالى ١٦ : ٧٦ ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
فجعل نفي صفة الكلام موجبا لبطلان الإلهية وهذا أمر معلوم بالفطر والعقول السليمة والكتب السماوية : أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلها ولا مدبرا ولا ربا بل هو مذموم معيب ناقص ليس له الحمد لا في الأولى ولا في الآخرة وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال التي لأجلها استحق الحمد ولهذا سمى السلف كتبهم التي صنفوها في السنة وإثبات صفات الرب وعلوه على خلقه وكلامه وتكليمه توحيدا لأن نفي ذلك وإنكاره والكفر به إنكار للصانع وجحد له وإنما توحيده إثبات صفات كماله وتنزيهه عن التشبيه والنقائص فجعل المعطلة جحد الصفات وتعطيل الصانع عنها