وكذلك من طلب الغاية العليا والمطلب الأسمى ولكن لم يتوسل إليه بالوسيلة الموصلة له وإليه بل توسل إليه بوسيلة ظنها موصلة إليه وهي من أعظم القواطع عنه فحاله أيضا كحال هذا وكلاهما فاسد القصد ولا شفاء من هذا المرض إلا بدواء ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
فإن هذا الدواء مركب من ستة أجزاء عبودية الله لا غيره بأمره وشرعه لا بالهوى ولا بآراء الرجال وأوضاعهم ورسومهم وأفكارهم بالإستعانة على عبوديته به لا بنفس العبد وقوته وحوله ولا بغيره.
فهذه هي أجزاء ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
فإذا ركبها الطبيب اللطيف العالم بالمرض واستعملها المريض حصل بها الشفاء التام وما نقص من الشفاء فهو لفوات جزء من أجزائها أو اثنين أو أكثر.
ثم إن القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد وهما الرياء والكبر فدواء الرياء ب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾
ودواء الكبر ب ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾
تدفع الرياء ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
تدفع الكبرياء.
فإذا عوفى من مرض الرياء ب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾
ومن مرض الكبرياء والعجب ب ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
ومن مرض الضلال والجهل ب ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾
عوفى من أمراضه وأسقامه ورفل في أثواب العافية وتمت عليه النعمة وكان من المنعم عليهم ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾
وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه ﴿وَلا الضَّالِّينَ﴾
وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه.
وحقّ لسورة تشتمل على هذين الشفاءين : أن يستشفى بها من كل مرض
ولهذا لما اشتملت على هذا الشفاء الذي هو أعظم الشفاءين كان حصدك الشفاء الأدنى بها أولى كما سنبينه فلا شيء أشفى للقلوب التي عقلت عن الله وكلامه وفهمت عنه فهما خاصا اختصها به من معاني هذه السورة.