ومن عرف هذا كما ينبغي تبين له أسرار الرقي وميز بين النافع منها وغيره ورقى الداء بما يناسبه من الرقي وتبين له أن الرقية براقيها وقبول المحل كما أن السيف بضاربه مع قبول المحل للقطع وهذه إشارة مطلعة على ما وراءها لمن دق نظره وحسن تأمله والله أعلم.
وأما شهادة التجارب بذلك : فهي أكثر من أن تذكر وذلك في كل زمان وقد جربت أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أمورا عجيبة ولا سيما مدة
المقام بمكة فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط جربت ذلك مرارا عديدة وكنت آخذ قدحا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مرارا فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين والله المستعان.
فصل في اشتمال الفاتحة على الرد على جميع المبطلين
...
فصل في اشتماله الفاتحة على الرد على جميع المبطلين من أهل الملل والنحل والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة.
وهذا يعلم بطريقين مجمل ومفصل :
أما المجمل : فهو أن الصراط المستقيم متضمن معرفة الحق وإيثاره وتقديمه على غيره ومحبته والإنقياد له والدعوة إليه وجهاد أعدائه بحسب الإمكان.
والحق : هو ما كان عليه رسول الله وأصحابه وما جاء به علما وعملا في باب صفات الرب سبحانه وأسمائه وتوحيده وأمره ونهيه ووعده ووعيده وفي حقائق الإيمان التي هي منازل السائرين إلى الله تعالى وكل ذلك مسلم إلى رسول الله دون آراء الرجال وأوضاعهم وأفكارهم واصطلاحاتهم.
فكل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوته وعليه السكة المحمدية بحيث يكون من ضرب المدينة فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال فما ثم خروج عن هذه الطرق الثلاث : طريق الرسول ﷺ وما جاء به وطريق أهل