ولأن " العبادة " شكر نعمته عليك والله يحب أن يشكر و" الإعانة " فعله بك وتوفيقه لك فإذا التزمت عبوديته ودخلت تحت رقها أعانك عليها فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل الإعانة وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم.
و" العبودية " محفوفة بإعانتين إعانة قبلها على التزامها والقيام بها وإعانة بعدها على عبودية أخرى وهكذا أبدا حتى يقضي العبد نحببه.
ولأن ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾
له ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
به وماله مقدم على ما به
لأن ماله متعلق بمحبته ورضاه وما به متعلق بمشيئته وما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته فإن الكون كله متعلق بمشيئته والملائكة والشياطين والمؤمنون والكفار والطاعات والمعاصي والمتعلق بمحبته طاعاتهم وإيمانهم فالكفار أهل مشيئته والمؤمنون أهل محبته ولهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدا وكل ما فيها فإنه به تعالى وبمشيئته.
فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾
على ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
وأما تقديم المعبود والمستعان على الفعلين ففيه أدبهم مع الله بتقديم اسمه على فعلهم وفيه الإهتمام وشدة العناية به وفيه الإيذان بالإختصاص المسمى بالحصر فهو في قوة لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك والحاكم في ذلك ذوق العربية والفقه فيها واستقراء موارد استعمال ذلك مقدما وسيبويه نص على الإهتمام ولم ينف غيره.
ولأنه يقبح من القائل : أن يعتق عشرة أعبد مثلا ثم يقول لأحدهم : إياك أعتقت ومن سمعه أنكر ذلك عليه وقال وغيره أيضا أعتقت ولولا فهم الإختصاص لما قبح هذا الكلام ولا حسن إنكاره.
وتأمل قوله تعالى ٢ : ٤٠ ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾
٢ : ٤١ ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾
كيف تجده في قوة : لا ترهبوا غيري لا تتقوا سواي ؟ وكذلك ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
هو في قوة : لا نعبد غيرك ولا نستعين بسواك وكل ذي ذوق سليم يفهم هذا الإختصاص من علة السياق.